ومن الممكن أن
يستفاد من الآية العموم وهو أن بين حالات الإنسان النفسية وبين الأوضاع الخارجية نوع
تلازم سواء كان ذلك في جانب الخير أو الشر فلو كان القوم على الإيمان والطاعة وشكر
النعمة عمهم الله بنعمه الظاهرة والباطنة ودام ذلك عليهم حتى يغيروا فيكفروا
ويفسقوا فيغير الله نعمه نقما ودام ذلك عليهم حتى يغيروا فيؤمنوا ويطيعوا ويشكروا
فيغير الله نقمه نعما وهكذا. هذا.
ولكن ظاهر
السياق لا يساعد عليه وخاصة ما تعقبه من قوله « وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا
مَرَدَّ لَهُ » فإنه أصدق شاهد على أنه يصف معنى تغييره تعالى ما بقوم حتى يغيروا
فالتغيير لما كان إلى السيئة كان الأصل أعني « ما بِقَوْمٍ » لا يراد به إلا الحسنة فافهم ذلك.
على أن الله
سبحانه يقول : « وَما
أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ » : الشورى : ٣٠ فيذكر أنه يعفو عن كثير من السيئات
فيمحو آثارها فلا ملازمة بين أعمال الإنسان وأحواله وبين الآثار الخارجية في جانب
الشر بخلاف ما في جانب الخير كما قال تعالى في نظير الآية : « ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ
لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما
بِأَنْفُسِهِمْ » : الأنفال : ٥٣.
وأما قوله
تعالى : « وَإِذا
أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ » فإنما دخل في الحديث لا بالقصد الأولي لكنه تعالى لما
ذكر أن كل شيء عنده بمقدار وإن لكل إنسان معقبات يحفظونه بأمره من أمره ولا يدعونه
يهلك أو يتغير أو يضطرب في وجوده والنعم التي أوتيها ، وهم على حالهم من الله لا
يغيرها عليهم حتى يغيروا ما بأنفسهم وجب أن يذكر أن هذا التغيير من السعادة إلى
الشقاء ومن النعمة إلى النقمة أيضا من الأمور المحكمة المحتومة التي ليس لمانع أن
يمنع من تحققها ، وإنما أمره إلى الله لا حظ فيه لغيره ، وبذلك يتم أن الناس لا
مناص لهم من حكم الله في جانبي الخير والشر وهم مأخوذ عليهم وفي قبضته.
فالمعنى : وإذا
أراد الله بقوم سوء ولا يريد ذلك إلا إذا غيروا ما بأنفسهم من سمات معبودية
ومقتضيات الفطرة فلا مرد لذلك السوء من شقاء أو نقمة أو نكال.
ثم قوله : « وَما لَهُمْ مِنْ
دُونِهِ مِنْ والٍ » عطف تفسيري على قوله : «
إِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ » ويفيد معنى التعليل له فإنه إذا لم يكن لهم من وال يلي
أمرهم