يتصرف فيه إلا هو سبحانه فهو الذي يهدي إليه التعليم القرآني ، والآيات في هذه المعاني متكاثرة لا حاجة إلى إيرادها.
والملائكة أيضا إنما يعملون ما يعملون بأمره قال تعالى : « يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ » : النحل : ٢ ، وقال : « لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ » : الأنبياء : ٢٧.
ومن هنا يظهر أن هذه المعقبات الحفاظ كما يحفظون ما يحفظون بأمر الله كذلك يحفظونه من أمر الله فإن جانب الفناء والهلاك والضيعة والفساد بأمر الله كما أن جانب البقاء والاستقامة والصحة بأمر الله فلا يدوم مركب جسماني إلا بأمر الله كما لا ينحل تركيبه إلا بأمر الله ، ولا تثبت حالة روحية أو عمل أو أثر عمل إلا بأمر من الله كما لا يطرقه الحبط ولا يطرأ عليه الزوال إلا بأمر من الله فالأمر كله لله وإليه يرجع الأمر كله.
وعلى هذا فهذه المعقبات كما يحفظونه بأمر الله كذلك يحفظونه من أمر الله ، وعلى هذا ينبغي أن ينزل قوله في الآية المبحوث عنها : « يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ ».
وبما تقدم يظهر وجه اتصال قوله تعالى : « إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » وأنه في موضع التعليل لقوله : « يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ » والمعنى أنه تعالى إنما جعل هذه المعقبات ووكلها بالإنسان يحفظونه بأمره من أمره ويمنعونه من أن يهلك أو يتغير في شيء مما هو عليه لأن سنته جرت أن لا يغير ما بقوم من الأحوال حتى يغيروا ما بأنفسهم من الحالات الروحية كأن يغيروا الشكر إلى الكفر والطاعة إلى المعصية والإيمان إلى الشرك فيغير الله النعمة إلى النقمة والهداية إلى الإضلال والسعادة إلى الشقاء وهكذا.
والآية أعني قوله : « إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ » إلخ ، يدل بالجملة على أن الله قضى قضاء حتم بنوع من التلازم بين النعم الموهوبة من عنده للإنسان وبين الحالات النفسية الراجعة إلى الإنسان الجارية على استقامة الفطرة فلو جرى قوم على استقامة الفطرة وآمنوا بالله وعملوا صالحا أعقبهم نعم الدنيا والآخرة كما قال. « وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا » : الأعراف : ٩٦ والحال ثابتة فيهم دائمة عليهم ما داموا على حالهم في أنفسهم فإذا غيروا حالهم في أنفسهم غير الله سبحانه حالهم الخارجية بتغيير النعم نقما.