إلا الله سبحانه لم يكن هناك أحد يرد ما أراد الله بهم من السوء.
فقد بان من جميع ما تقدم أن معنى الآية ـ على ما يعطيه السياق ـ والله أعلم ـ أن لكل من الناس على أي حال كان معقبات يعقبونه في مسيره إلى الله من بين يديه ومن خلفه أي في حاضر حاله وماضيه يحفظونه بأمر الله من أن يتغير حاله بهلاك أو فساد أو شقاء بأمر آخر من الله ، وهذا الأمر الآخر الذي يغير الحال إنما يؤثر أثره إذا غير قوم ما بأنفسهم فعند ذلك يغير الله ما عندهم من نعمة ويريد بهم السوء وإذا أراد الله بقوم سوء فلا مرد له لأنهم لا والي لهم يلي أمرهم من دونه حتى يرد ما أراد الله بهم من سوء.
وقد تبين بذلك أمور :
أحدها : أن الآية كالبيان التفصيلي لما تقدم في الآيات السابقة من قوله : « وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ » فإن الجملة تفيد أن للأشياء حدودا ثابتة لا تتعداها ولا تتخلف عنها عند الله حتى تعزب عن علمه ، وهذه الآية تفصل القول في الإنسان أن له معقبات من بين يديه ومن خلفه موكلة عليه يحفظونه وجميع ما يتعلق به من أن يهلك أو يتغير عما هو عليه ، ولا يهلك ولا يتغير إلا بأمر آخر من الله.
الثاني : أنه ما من شيء من الإنسان من نفسه وجسمه وأوصافه وأحواله وأعماله وآثاره إلا وعليه ملك موكل يحفظه ، ولا يزال على ذلك في مسيره إلى الله حتى يغير فالله سبحانه هو الحافظ وله ملائكة حفظة عليها ، وهذه حقيقة قرآنية.
الثالث : أن هناك أمرا آخر يرصد الناس لتغيير ما عندهم وقد ذكر الله سبحانه من شأن هذا الأمر أنه يؤثر فيما إذا غير قوم ما بأنفسهم فعند ذلك يغير الله ما بهم من نعمة بهذا الأمر الذي يرصدهم ، ومن موارد تأثيره مجيء الأجل المسمى الذي لا يختلف ولا يتخلف ، قال تعالى : « ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى » : الأحقاف : ٣ وقال : « إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ » : نوح : ٤.
الرابع : أن أمره تعالى هو المهيمن المتسلط على متون الأشياء وحواشيها على أي حال وأن كل شيء حين ثباته وحين تغيره مطيع لأمره خاضع لعظمته ، وأن الأمر الإلهي وإن كان مختلفا بقياس بعضه إلى بعض منقسما إلى أمر حافظ وأمر مغير ذو