فالمكاء التصفير والتصدية صفق اليدين ـ وهذه الآية معطوفة على قوله : « وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا » ـ قد كتبت بعد آيات كثيرة ـ.
فلما أمسى رسول الله صلىاللهعليهوآله جاءت قريش ليدخلوا عليه ـ فقال أبولهب : لا أدعكم أن تدخلوا عليه بالليل ـ فإن في الدار صبيانا ونساء ـ ولا نأمن أن يقع بهم يد خاطئة فنحرسه الليلة ـ فإذا أصبحنا دخلنا عليه ـ فناموا حول حجرة رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ.
وأمر رسول الله صلىاللهعليهوآله أن يفرش له فرش ـ فقال لعلي بن أبي طالب عليهالسلام:أفدني بنفسك ـ قال:نعم يا رسول الله ـ قال:نم على فراشي والتحف ببردتي ـ فنام علي عليهالسلام على فراش رسول الله صلىاللهعليهوآله والتحف ببردته ـ.
وجاء جبرئيل فأخذ بيد رسول الله صلىاللهعليهوآله ـ فأخرجه على قريش وهم نيام وهو يقرأ عليهم : « وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا ـ فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ » وقال له جبرئيل : خذ على طريق ثور ـ وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور ـ فدخل الغار وكان من أمره ما كان ـ.
فلما أصبحت قريش وأتوا إلى الحجرة ـ وقصدوا الفراش فوثب علي عليهالسلام في وجوههم ـ فقال : ما شأنكم؟ قالوا : أين محمد؟ قال : أجعلتموني عليه رقيبا؟ ألستم قلتم نخرجه من بلادنا؟ فقد خرج عنكم فأقبلوا على أبي لهب يضربونه ـ ويقولون : أنت تخدعنا منذ الليل ـ.
فتفرقوا في الجبال ، وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له : أبو كرز يقفو الآثار ـ فقالوا: يا أبا كرز اليوم اليوم ـ فوقف بهم على باب حجرة رسول الله صلىاللهعليهوآله وقال لهم : هذه قدم محمد والله إنها لأخت القدم التي في المقام ، وكان أبو بكر بن أبي قحافة استقبل رسول الله صلىاللهعليهوآله فرده معه ـ فقال أبو كرز : وهذه قدم ابن أبي قحافة أو أبيه ـ ثم قال : وهاهنا غير ابن أبي قحافة ، ولا يزال يقف بهم حتى أوقفهم على باب الغار ـ.
ثم قال : ما جاوزوا هذا المكان ـ إما أن يكونوا صعدوا إلى السماء أو دخلوا تحت الأرض ، وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار ، وجاء فارس من الملائكة ثم قال : ما في الغار أحد ـ فتفرقوا في الشعاب ، وصرفهم الله عن رسوله صلىاللهعليهوآله ـ ثم أذن لنبيه صلىاللهعليهوآله في الهجرة.
أقول : وروي ما يقرب من هذا المعنى ملخصا في الدر المنثور عن ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن ابن