عند حضرة القتال يقول الله عز وجل : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً ـ فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ ».
وفي الفقيه ، والعلل ، بإسناده عن ابن شاذان : أن أبا الحسن الرضا عليهالسلام كتب إليه فيما كتب من جواب مسائله : حرم الله الفرار من الزحف لما فيه من الوهن في الدين ، والاستخفاف بالرسل والأئمة العادلة ، وترك نصرتهم على الأعداء ، والعقوبة لهم على ترك ما دعوا إليه ـ من الإقرار بالربوبية وإظهار العدل ، وترك الجور وإماتة الفساد ، لما في ذلك من جرأة العدو على المسلمين ، وما يكون في ذلك من السبي والقتل ـ وإبطال دين الله عز وجل وغيره من الفساد.
أقول : وقد استفاضت الروايات عن أئمة أهل البيت عليهالسلام أن الفرار من الزحف من المعاصي الكبيرة الموبقة ، وقد تقدم طرف منها في البحث عن الكبائر في تفسير قوله تعالى : « إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ » النساء : ـ ٣١ في الجزء الرابع من الكتاب.
وعلى ذلك روايات من طرق أهل السنة كما في صحيحي البخاري ، ومسلم ، عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : اجتنبوا السبع الموبقات قالوا : وما هن يا رسول الله؟ قال : الشرك بالله ـ وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ـ والسحر وأكل الربا وأكل مال اليتيم ـ والتولي يوم الزحف ـ وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ، وهناك روايات أخرى عن ابن عباس وغيره تدل على كون الفرار من الزحف من الكبائر.
نعم قوله تعالى : « الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ » الآية يقيد إطلاق آية تحريم الفرار بما دون الثلاثة لواحد.
وقد روي من طرقهم عن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وغيرهم كما في الدر المنثور : أن تحريم الفرار من الزحف في هذه الآية خاص بيوم بدر.
وربما وجه ذلك بأن الآية نزلت يوم بدر ، وأن الظرف في قوله « وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ » إشارة إلى يوم بدر ، وقد عرفت أن سياق الآيات يشهد بنزولها بعد يوم بدر ، وأن المراد بقوله : « يَوْمَئِذٍ » هو يوم الزحف لا يوم بدر. على أنه لو