ظاهرا زادت نقصا وخمودا في قوى المسلمين الروحية العامة ودرجة إيمانهم وسجاياهم الجميلة النفسانية المعنوية باطنا حتى استقرت بعد غزوة بدر ـ بقليل أو كثير ـ على خمس ما كانت عليه قبلها كما يشير إليه بعض الإشارة قوله تعالى في الآيات التالية : « ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْ لا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ » الآيات.
وثانيا : أن الظاهر أن الآيتين نزلتا دفعة واحدة فإنهما وإن كانتا تخبران عن حال المؤمنين في زمانين مختلفين كما يشير إليه قوله في الآية الثانية : « الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ » لكن الآيتين تقيسان كما مر طبع قوى المؤمنين الروحية في زمانين مختلفين ، وسياق الثانية بالنظر إلى هذا القياس بحيث لا يستقل عن الأولى ، ووجود حكمين مختلفين في زمانين لا يوجب أن ينزل الآية المتضمنة لأحدهما في زمان غير زمان نزول الأخرى المتضمنة للآخر.
نعم لو كانت الآيتان مقصورتين في بيان الحكم التكليفي فحسب كان الظاهر نزول الثانية بعد زمان نزلت فيه الأولى.
وثالثا : أن ظاهر قوله تعالى : « الْآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ » كما قيل كون الآيتين مسوقتين لبيان الحكم التكليفي لأن التخفيف لا يكون إلا بعد التكليف فاللفظ لفظ الخبر والمراد به الأمر ومحصل المراد في الآية الأولى : ليثبت الواحد منكم للعشرة من الكفار وفي الآية الثانية : الآن خفف الله في أمره فليثبت الواحد منكم للاثنين من الكفار.
واختصاص التخفيف بباب التكاليف ـ كما قيل ـ وإن أمكنت المناقشة فيه لكن ظهور الآيتين في وجود حكمين مختلفين مترتبين بحسب الزمان أحدهما أخف من الآخر لا ينبغي الارتياب فيه.
ورابعا : أن ظاهر التعليل في الآية الأولى بالفقه ، وفي الآية الثانية بالصبر مع تقييد المقاتل من المؤمنين في الآيتين جميعا بالصبر يدل على أن الصبر يرجح الواحد في قوة الروح على مثليه ، والفقه يرجحه فيها على خمسة أمثاله فإذا اجتمعا في واحد يرجح على عشرة أمثال نفسه ، والصبر لا يفارق الفقه وإن جاز العكس.
وخامسا : أن الصبر واجب في القتال على أي حال.