في سبيل غرض من الأغراض الحيوية دنيوية أو دينية في أول تكونها ونشأتها تحس بالموانع المضادة والمحن الهادمة لبنيانها من كل جانب فتتنبه قواها الدافعة للجهاد في سبيل هدفها المشروع عندها ، ويستيقظ ما نامت من نفسانياتها للتحذر من المكاره والتفدية في طريق مطلوبها بالمال والنفس.
ولا تزال تجاهد وتفدي ليلها ونهارها ، وتتقوى وتتقدم حتى تمهد لنفسها حياة فيها بعض الاستقلال ، ويصفو لها الجو بعض الصفاء ويكثر جمعها ويضرب بجرانها الأرض أخذت بالاستفادة من فوائد جهدها والتنعم بنعمة الراحة ، والتوسع في متسع الأمن ، وشرعت القوى الروحية الباسطة الباعثة للعمل في الخمود.
على أن المجتمع وإن قلت أفراده لا يخلو من اختلاف في الإيمان ، والسجايا الروحية الجميلة من قوي فيها وضعيف ، وكلما كثرت الأفراد ازداد ضعفاء الإيمان والذين في قلوبهم مرض والمنافقون فتنزلت القوى الروحية في الفرد المتوسط وارتفعت كفة الميزان عما كانت عليه من الثقل.
والجماعات الدينية والأحزاب الدنيوية في ذلك على السواء والسنة الطبيعية الجارية في النظام الإنساني تجري على الجميع على نسق واحد ، وقد أثبتت التجربة القطعية أن المجتمعات المؤتلفة لغرض هام كلما قلت أفرادها وقويت رقباؤها ومزاحموها ، وأحاطت بها المحن والفتن كانت أكثر نشاطا للعمل وأحد في الأثر وكلما كثرت أفرادها وقلت مزاحماتها والموانع الحائلة بينها وبين مقاصدها ومطالبها كانت أكثر خمودا وأقل تيقظا وأسفه حلما.
والتدبر الكافي في مغازي النبي صلىاللهعليهوآله ينور ذلك فهذه غزوة بدر غلب فيها المسلمون وهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلا على ما بهم من رثاثة الحال وقلة العدة وفقد السلاح والقوة كفار قريش وهم يعدلون ثلاثة أمثال المسلمين أو يزيدون على ما لهم من العزة والشوكة والقوة ثم ما جرى على المسلمين في غزوة أحد ثم في غزوة الخندق ثم في غزوة خيبر ثم في غزوة حنين وهي أعجبها وقد ذكرها الله سبحانه بما لا يبقى لباحث ريبا في ذلك إذ قال : « وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ » إلى آخر الآيات.
فالآية تدل أولا على أن الإسلام كان كلما زاد في زمن النبي صلىاللهعليهوآله عزة وشوكة