ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى » الخ : ، طه : ١٢٤ وهو عمى الضلال.
وبعد ذلك كله فمن الممكن أن يكون قوله : « كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ » إلخ ، في مقام التعليل لمضمون الكلام السابق والمعنى : أقسطوا في أعمالكم وأخلصوا لله سبحانه فإن الله سبحانه إذ بدأ خلقكم قضى فيكم أن تتفرقوا فريقين فريقا يهديهم وفريقا يضلون عن الطريق وستعودون إليه كما بدأكم فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة بتولي الشياطين فأقسطوا وأخلصوا حتى تكونوا من المهتدين بهداية الله لا الضالين بولاية الشياطين.
فيكون الكلام جاريا مجرى قوله تعالى : « وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً » : البقرة : ١٤٨ فإنه في عين أنه بين أولا أن لكل وجهة خاصة محتومة هو موليها لا يتخلف عنه إن سعادة فسعادة وإن شقاوة فشقاوة أمرهم ثانيا أن استبقوا الخيرات ، ولا يستقيم الأمر مع تحتم إحدى المنزلتين : السعادة والشقاوة لكن الكلام في معنى قولنا : إن كلا منكم لا محيص له عن وجهة متعينة في حقه لازمة له إما الجنة وإما النار فاستبقوا الخيرات حتى تكونوا من أهل وجهة السعادة دون غيرها.
وكذلك الأمر فيما نحن فيه فالكلام في معنى قولنا : إنكم ستعودون فريقين كما بدأكم فريقين بقضائه فأقسطوا في أعمالكم وأخلصوا لله سبحانه حتى تكونوا من الفريق الذي هدى دون الفريق الذي حق عليهم الضلالة.
ومن الممكن أن يكون قوله : « كَما بَدَأَكُمْ » إلخ ، كلاما مستأنفا وهو مع ذلك لا يخلو عن تلويح بالدعوة إلى الأقساط والإخلاص على ما يتبادر من السياق.
وأما قوله : « إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ » فهو تعليل لثبوت الضلالة ولزومها لهم في قوله : « حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ » كان كلمة الضلال والخسران صدرت من مصدر القضاء في حقهم مشروطا بولاية الشيطان كما يذكره في قوله : « كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ » : الحج : ٤.
فلما تولوا الشياطين في الدنيا حقت عليهم الضلالة ولزمتهم لزوما لا انفكاك بعده أبدا وهذا نظير ما يستفاد من قوله : « وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا