للنواميس الحافظة للاجتماع ، ويمنع عنه جميع الآيات الناهية عن الظلم والإفساد وإعانة الظالمين والركون إليهم بل جميع الآيات المعطية لأصول الشرائع والقوانين ، وهو ظاهر.
فالمراد بقوله : « خُذِ الْعَفْوَ » هو الستر بالعفو فيما يرجع إلى شخصه صلىاللهعليهوآله ، وعلى ذلك كان يسير فقد تقدم في بعض الروايات المتقدمة في أدبه صلىاللهعليهوآله : (١) أنه لم ينتقم من أحد لنفسه قط.
هذا على ما ذكره القوم أن المراد بالعفو ما يسارق المغفرة ، وفي بعض الروايات الآتية عن الصادق عليهالسلام أن المراد به الوسط وهو أنسب بالآية وأجمع للمعنى من غير شائبة التكرار الذي يلزم من قوله : « وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ » على التفسير الأول.
وقوله : « وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ » والعرف هو ما يعرفه عقلاء المجتمع من السنن والسير الجميلة الجارية بينهم بخلاف ما ينكره المجتمع وينكره العقل الاجتماعي من الأعمال النادرة الشاذة ، ومن المعلوم أن لازم الأمر بمتابعة العرف أن يكون نفس الآمر مؤتمرا بما يأمر به من المتابعة ، ومن ذلك أن يكون نفس أمره بنحو معروف غير منكر فمقتضى قوله : « وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ » أن يأمر بكل معروف ، وأن لا يكون نفس الأمر بالمعروف على وجه منكر.
وقوله : « وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ » أمر آخر بالمداراة معهم ، وهو أقرب طريق وأجمله لإبطال نتائج جهلهم وتقليل فساد أعمالهم فإن في مقابلة الجاهل بما يعادل جهله إغراء له بالجهل والإدامة على الغي والضلال.
قوله تعالى : « وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ » قال الراغب في المفردات : النزغ دخول في أمر لأجل إفساده ، قال : « مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي ». انتهى ، وقيل : هو الإزعاج والإغراء وأكثر ما يكون حال الغضب ، وقيل : هو من الشيطان أدنى الوسوسة ، والمعاني متقاربة ، وأقربها من الآية هو الأوسط لمناسبته الآية السابقة الآمرة بالإعراض عن الجاهلين فإن مماستهم الإنسان بالجهالة نوع مداخلة من الشيطان لإثارة الغضب ، وسوقه إلى جهالة مثله.
__________________
(١) في آخر الجزء السادس من الكتاب.