هذه جمل ما أوردوه على دلالة الآية وحجية الروايات ، وقد زيفها المثبتون لنشاة الذر وهم عامة أهل الحديث وجمع من غيرهم من المفسرين بأجوبة.
فالجواب عن الأول : أن نسيان الموقف وخصوصياته لا يضر بتمام الحجة وإنما المضر نسيان أصل الميثاق وزوال معرفة وحدانية الرب تعالى : وهو غير منسي ولا زائل عن النفس وذلك يكفي في تمام الحجة ألا ترى أنك إذا أردت أن تأخذ ميثاقا من زيد فدعوته إليك وأدخلته بيتك ، وأجلسته مجلس الكرامة ثم بشرته وأنذرته ما استطعت ، ولم تزل به حتى أرضيته فأعطاك العهد وأخذت منه الميثاق فهو مأخوذ بميثاقه ما دام ذاكرا لأصله وإن نسي حضوره عندك ودخوله بيتك وجميع ما جرى بينك وبينه وقت أخذ الميثاق غير أصل العهد.
والجواب عن الثاني : أن الامتناع من تجويز نسيان الجمع الكثير لذلك مجرد استبعاد من غير دليل على الامتناع مضافا إلى أن أصل المعرفة بالربوبية مذكور غير منسي كما ذكرنا وهو يكفي في تمام الحجة ، وأما حديث التناسخية فليس الدليل على امتناع التناسخ منحصرا في استحالة نسيان الجماعة الكثيرة ما مضى عليهم في الخلق الأول حتى لو لم يستحل ذلك صح القول بالتناسخ بل لإبطال القول به دليل آخر كما يعلم بالرجوع إلى محله ، وبالجملة لا دليل على استحالة نسيان بعض العوالم في بعض آخر.
والجواب عن الثالث : أن الآية غير ساكتة عن إخراج ولد آدم لصلبه من صلبه فإن قوله تعالى : « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ » كاف وحده في الدلالة عليه فإن فرض بني آدم فرض إخراجهم من صلب آدم من غير حاجة إلى مئونة زائدة ، ثم إخراج ذريتهم من ظهورهم بإخراج أولاد الأولاد من صلب الأولاد ، وهكذا ، ويتحصل منه أن الله أخرج أولاد آدم لصلبه من صلبه ثم أولادهم من أصلابهم ثم أولاد أولادهم من أصلاب أولادهم حتى ينتهي إلى آخرهم نظير ما يجري عليه الأمر في هذه النشأة الدنيوية التي هي نشأة التوالد والتناسل.
وقد أجاب الرازي عنه في تفسيره ، بأن الدلالة على إخراج أولاده لصلبه من صلبه من ناحية الخبر كما أن الدلالة على إخراج أولاد أولاده من أصلاب آبائهم من ناحية الآية فبمجموع الآية والخبر تتم الدلالة على المجموع. وهو كما ترى.