الأمر الصادر عن مصدر العظمة والكبرياء ومنبع كل جمال وجلال.
وكان من الحري
إذا سمع قوله : « ما
مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ » أن يأتي بما يطابقه من الجواب كأن يقول : منعني أني خير
منه لكنه أتى بقوله : « أَنَا
خَيْرٌ مِنْهُ » ليظهر به الإنية ، ويفيد الثبات والاستمرار ، ويستفاد
منه أيضا أن المانع له من السجدة ما يرى لنفسه من الخيرية فقوله : « أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ » أظهر وآكد في إفادة التكبر.
ومن هنا يظهر
أن هذا التكبر هو التكبر على الله سبحانه دون التكبر على آدم.
ثم إنه في قوله
: « أَنَا
خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » استدل على كونه خيرا من آدم بمبدإ خلقته وهو النار وأنها
خير من الطين الذي خلق منه آدم وقد صدق الله سبحانه ما ذكره من مبدإ خلقته حيث ذكر
أنه كان من الجن ، وأن الجن مخلوق من النار قال تعالى : « كانَ مِنَ الْجِنِّ
فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ » : الكهف : ٥٠ وقال : « وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ
مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ وَالْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ » : الحجر : ٢٧ ، وقال أيضا : « خَلَقَ الْإِنْسانَ
مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخَّارِ وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ » : الرحمن : ١٥.
لكنه تعالى لم
يصدقه فيما ذكره من خيريته منه فإنه تعالى وإن لم يرد عليه قوله « أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ
خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ » إلخ ، في هذه السورة إلا أنه بين فضل آدم عليه وعلى
الملائكة في حديث الخلافة الذي ذكره في سورة البقرة للملائكة.
على أنه تعالى
ذكر القصة في موضع آخر بقوله : « إِذْ
قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ
وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ
كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ
قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ
أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ قالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي
مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » الخ : ، ص : ٧٦.
فبين أولا أنهم
لم يدعوا إلى السجود له لمادته الأرضية التي سوي منها ، وإنما دعوا إلى ذلك لما
سواه ونفخ فيه من روحه الخاص به تعالى الحاملة للشرف كل الشرف