والمتعلقة لتمام العناية الربانية ، ويدور أمر الخيرية في التكوينيات مدار العناية الإلهية لا لحكم من ذواتها فلا حكم إلا لله.
ثم بين ثانيا لما سأله عن سبب عدم سجوده بقوله : « ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَ » أنه تعالى اهتم بأمر خلقته كل الاهتمام واعتنى به كل الاعتناء حيث خلقه بكلتا يديه بأي معنى فسرنا اليدين ، وهذا هو الفضل فأجاب لعنه الله بقوله : « أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ » فتعلق بأمر النار والطين ، وأهمل أمر تكبره على ربه كما أنه في هذه السورة سئل عن سبب تكبره على ربه إذ قيل له : « ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ » فتعلق بقوله : « أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ » إلخ ، ولم يعتن بما سئل عنه أعني السبب في تكبره على ربه إذ لم يأتمر بأمره.
بلى قد اعتنى به إذ قال : « أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ » فأثبت لنفسه استقلال الإنية قبال الإنية الإلهية التي قهرت كل شيء فاستدعاه ذلك إلى نسيان كبريائه تعالى ووجد نفسه مثل ربه وأن له استقلالا كاستقلاله ، وأوجب ذلك أن أهمل وجوب امتثال أمره لأنه الله بل اشتغل بالمرجحات فوجد الترجيح للمعصية على الطاعة وللتمرد على الانقياد وليس إلا أن تكبره بإثبات الإنية المستقلة لنفسه أعمى بصره فوجد مادة نفسه وهي النار خيرا من مادة نفس آدم وهي الطين فحكم بأنه خير من آدم ، ولا ينبغي للفاضل أن يخضع بالسجود لمفضوله ، وإن أمر به الله سبحانه لأنه يسوي بنفسه نفس ربه بما يرى لنفسه من استقلال وكبرياء كاستقلاله فيترك الآمر ويتعلق بالمرجحات في الأمر.
وبالجملة هو سبحانه الله الذي منه يبتدئ كل شيء وإليه يرجع كل شيء فإذا خلق شيئا وحكم عليه بالفضل كان له الفضل والشرف واقعا بحسب الوجود الخارجي وإذا خلق شيئا ثانيا وأمره بالخضوع للأول كان وجوده ناقصا مفضولا بالنسبة إلى ذلك الأول فإن المفروض أن أمره إما نفس التكوين الحق أو ينتهي إلى التكوين فقوله الحق والواجب في امتثال أمره أن يمتثل لأنه أمره لا لأنه مشتمل على مصلحة أو جهة من جهات الخير والنفع حتى يعزل عن ربوبيته ومولويته ويعود زمام الأمر والتأثير إلى المصالح والجهات ، وهي التي تنتهي إلى خلقه وجعله كسائر الأشياء من غير فرق.
فجملة ما تدل عليه آيات القصة أن إبليس إنما عصى واستحق الرجم بالتكبر على