ليتأيد بهم ثم يخرجكم من أرضكم ويذهب بطريقتكم المثلى فما ذا تأمرون به في إبطال كيده ، وإخماد ناره التي أوقدها؟ أمن الواجب مثلا أن يقتل أو يصلب أو يسجن أو يعارض بساحر مثله؟.
فاستصوبوا آخر الآراء ، وقدموه إلى فرعون أن أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم.
ومن ذلك يظهر أن قوله تعالى : « فَما ذا تَأْمُرُونَ » حكاية ما قاله بعض الملإ لبعض وقوله : « قالُوا أَرْجِهْ » إلخ ، حكاية ما قدموه من رأي الجميع إلى فرعون وقد اتفقوا عليه ، وقد حكى الله سبحانه في موضع آخر من كلامه هذا القول بعينه من فرعون يخاطب به ملأه قال تعالى : « قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَما ذا تَأْمُرُونَ قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ » : الشعراء : ٣٧.
ويظهر مما في الموضعين أنهم إنما شاوروا حول ما قاله فرعون ثم صوبوه ورأوا أن يجيبه بسحر مثل سحره ، وقد حكى الله أيضا هذا القول عن فرعون يخاطب به موسى حتى بالذي أشار إليه الملأ من معارضة سحره بسحر آخر مثله إذ قال : « قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ أَرْضِنا بِسِحْرِكَ يا مُوسى فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ » : طه : ٥٨ ، ولعل ذلك محصل ما خرج من مشاورتهم حول ما قاله فرعون بعد ما قدم إلى فرعون مخاطب به موسى من قبل نفسه.
وللملإ جلسة مشاورة أخرى أيضا بعد قدوم السحرة إلى فرعون ناجى فيها بعضهم بعضا بمثل ما في هذه الآيات قال تعالى : « فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى قالُوا إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى » : طه : ٦٣.
فتبين أن أصل الكلام لفرعون ألقاه إليهم ليتشاوروا فيه ويروا رأيهم فيما يفعل به فرعون فتشاوروا وصدقوا قوله وأشاروا بالإرجاء وجمع السحرة للمعارضة فقبله ثم ذكره لموسى ثم اجتمعوا للمشاورة والمناجاة ثانيا بعد مجيء السحرة واتفقوا أن يجتمعوا عليه ويعارضوه بكل ما يقدرون عليه من السحر صفا واحدا.