الوثنية فإنه يسلم الألوهية لله ثم يفرز الربوبية بمختلف شئونها بين الأوثان ويسميها رب البحر ورب البر وهكذا.
وقوله : « وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً » كالتعليل لتعقيب الكلام بالاستثناء كأنه قيل لما استثنيت بعد ما أطلقت الكلام وقطعت في العزم؟ فقال : لأنه وسع ربي كل شيء علما ولا أحيط من علمه إلا بما شاء فمن الجائز أن يتعلق مشيته بشيء غائب عن علمي ساءني أو سرني كان يتعلق علمه بأنا سنخالفه في بعض أوامره فيشاء عودنا إلى ملتكم ، وإن كنا اليوم كارهين له ، ولعل هذا المعنى هو السبب في تعقيب هذا القول بمثل قوله : « عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا » فإن من يتوكل على الله كان حسبه وصانه من شر ما يخاف.
ولما بلغ الكلام هذا البلاغ وقد أخبروهم بعزمهم على أحد الأمرين : الإخراج أو العود ، وأخبرهم شعيب عليهالسلام بالعزم القاطع على عدم العود إلى ملتهم البتة التجأ عليهالسلام إلى ربه واستفتح بقوله عن نفسه وعن المؤمنين : « رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَبَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفاتِحِينَ » يسأل ربه أن يفتح بينهم أي بين شعيب والمؤمنين به ، وبين المشركين من قومه ، وهو الحكم الفصل فإن الفتح بين شيئين يستلزم إبعاد كل منهما عن صاحبه حتى لا يماس هذا ذاك ولا ذاك هذا دعا عليهالسلام بالفتح وكنى به عن الحكم الفصل وهو الهلاك أو هو بمنزلته وأبهم الخاسر من الرابح والهالك من الناجي وهو يعلم أن الله سينصره وأن الخزي اليوم والسوء على الكافرين لكنه عليهالسلام أخذ بالنصفة للحق وتأدب بإرجاع الأمر في ذلك إلى الله كما أتى بنظير ذلك في قوله السابق : « فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنا وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ».
وخير الحاكمين وخير الفاتحين اسمان من أسماء الله الحسنى ، وقد تقدم البحث عن معنى الحكم فيما مر ، وعن معنى الفتح آنفا ، وسيجيء الكلام المستوفى في الأسماء الحسنى في تفسير قوله تعالى : « وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها » : الآية ١٨٠ من السورة إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : « وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ » إلى آخر الآية. هذا تهديد منهم لمن آمن بشعيب أو أراد أن يؤمن به ويكون من جملة الإيعاد والصد اللذين كان شعيب ينهى عنهما بقوله : « وَلا تَقْعُدُوا بِكُلِّ صِراطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ »