وقد كان لوط ـ على ما سيأتي إن شاء الله من تفصيل قصته في سورة هود ـ مرسلا إلى أهل سدوم وغيره يدعوهم إلى دين التوحيد وكانوا مشركين عبدة أصنام.
وقوله : « أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ » يريد بالفاحشة اللواط بدليل قوله : « إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً » وفي قوله : « ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعالَمِينَ » أي أحد من الأمم والجماعات دلالة على أن تاريخ ظهور هذه الفاحشة الشنيعة تنتهي إلى قوم لوط ، وسيأتي جل ما يتعلق به من الكلام في تفصيل قصته في سورة هود.
قوله تعالى : « إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ » الآية ، إتيان الرجال كناية عن العمل بهم بذلك ، وقوله « شَهْوَةً » قرينة عليه ، وقوله « مِنْ دُونِ النِّساءِ » قرينة أخرى على ذلك ، ويفيد مضافا إلى ذلك أنهم كانوا قد تركوا سبيل النساء واكتفوا بالرجال ، ولتعديهم سبيل الفطرة والخلقة إلى غيره عدهم متجاوزين مسرفين فقال : « بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ».
ولكون عملهم فاحشة مبتدعة لم يسبقهم إليها أحد من العالمين استفهم عن ذلك مقارنا بـ « أن » المفيدة للتحقيق فأفاد التعجب والاستغراب ، والتقدير : « إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ » الآية.
قوله تعالى : « وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا » إلى آخر الآية. أي لم يكن عندهم جواب فهددوه بالإخراج من البلد فإن قولهم : « أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ » الآية. ليس جوابا عن قول لوط لهم : « أَتَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ » الآية. فجواب الكلام في ظرف المناظرة إما إمضاؤه والاعتراف بحقيته وإما بيان وجه فساده ، وليس في قولهم : « أَخْرِجُوهُمْ » إلى آخره شيء من ذلك فوضع ما ليس بجواب في موضع الجواب كناية عن عدم الجواب ودلالة على سفههم.
وقد استهانوا أمر لوط إذ قالوا : « أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ » الآية أي إن القرية أي البلدة لكم وهم نزلاء ليسوا منها وهم يتنزهون عما تأتونه ويتطهرون ، ولا يهمنكم أمرهم فليسوا إلا أناسا لا عدة لهم ولا شدة.
قوله تعالى : « فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ » فيه دلالة على أنه لم يكن آمن به إلا أهله ، وقد قال تعالى في موضع آخر : « فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ » : الذاريات : ٣٦.