عن ما يحتاج إلى الكشف والإبداء غير أن هذه الخصيصة مرتبطة بحقائق المعارف وشرائع الأحكام وما يجري مجراها ، وأما تعيين أجل زيد وكيفية وفاة عمرو ، وتشخيص من هو أبو فلان؟ ونحو ذلك فهي مما لا يرتبط به البيان القرآني ، فلا وجه لتذييل النهي عن السؤال عن أشياء كذا وكذا بنحو قوله : « وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ » وهو ظاهر.
فالأوجه في الجواب ما يستفاد من كلام آخرين أن الآية « (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) ، إلخ » وكذا قوله : « وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ » تدل على أن المسئول عنها أشياء مرتبطة بالأحكام المشرعة كالخصوصيات الراجعة إلى متعلقات الأحكام مما ربما يستقصي في البحث عنه والإصرار في المداقة عليه ، ونتيجة ذلك ظهور التشديد ونزول التحريج كلما أمعن في السؤال وألح على البحث كما قصه الله سبحانه في قصة البقرة عن بني إسرائيل حيث شدد الله سبحانه بالتضييق عليهم كلما بالغوا في السؤال عن نعوت البقرة التي أمروا بذبحها.
ثم إن قوله تعالى : « عَفَا اللهُ عَنْها » الظاهر أنه جملة مستقلة مسوقة لتعليل النهي في قوله : « لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ » لا كما ذكروه : أنه وصف لأشياء ، وأن في الكلام تقديما وتأخيرا ، والتقدير : لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها إن تبد لكم تسؤكم ، « إلخ ».
وهذا التعبير ـ أعني تعدية العفو بعن ـ أحسن شاهد على أن المراد بالأشياء المذكورة هي الأمور الراجعة إلى الشرائع والأحكام ، ولو كانت من قبيل الأمور الكونية كان كالمتعين أن يقال : عفاها الله.
وكيف كان فالتعليل بالعفو يفيد أن المراد بالأشياء هي الخصوصيات الراجعة إلى الأحكام والشرائع والقيود والشرائط العائدة إلى متعلقاتها ، وأن السكوت عنها ليس لأنها مغفول عنها أو مما أهمل أمرها بل لم يكن ذلك إلا تخفيفا من الله سبحانه لعباده وتسهيلا كما قال : « وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ » فما يقترحونه من السؤال عن خصوصياته تعرض منهم للتضييق والتحريج وهو مما يسوؤهم ويحزنهم البتة فإن في ذلك ردا للعفو الإلهي الذي لم يكن البتة إلا للتسهيل والتخفيف ، وتحكيم صفتي المغفرة والحلم الإلهيين.
فيرجع مفاد قوله : « (لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ) ، إلخ » إلى نحو قولنا : يا أيها الذين