قال تعالى في الآية : « السابقة على هذه الآية « يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ » ولحن السؤال والجواب فيها أوضح دليل على حصر الحل في الطيبات ، وكذا ما في أول هذه الآية من قوله : « الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ » والمقام مقام الامتنان يدل على الحصر المذكور.
وإن كان تحريم ذبائح الكفار لكونها بالإهلال به لغير الله كالذبح باسم الأوثان عاد الكلام بعدم الفرق بين الإهلال به لغير الله ، والإهلال به لله على طريقة منسوخة لا يرتضيها الله سبحانه.
ثم قال : وقد شدد الله فيما كان عليه مشركو العرب من أكل الميتة بأنواعها المتقدمة والذبح للأصنام لئلا يتساهل به المسلمون الأولون تبعا للعادة ، وكان أهل الكتاب أبعد منهم عن أكل الميتة والذبح للأصنام.
وقد نسي أن النصارى من أهل الكتاب يأكلون لحم الخنزير ، وقد ذكره الله تعالى وشدد عليه ، وأنهم يأكلون جميع ما تستبيحه المشركون لارتفاع التحريم عنهم بالتفدية.
على أن هذا استحسان سخيف لا يجدي نفعا ولا يعول على مثله في تفسير كلام الله وفهم معاني آياته ، ولا في فقه أحكام دينه.
ثم قال : ولأنه كان من سياسة الدين التشديد في معاملة مشركي العرب حتى لا يبقى في الجزيرة أحد إلا ويدخل في الإسلام وخفف في معاملة أهل الكتاب ، ثم ذكر موارد من فتيا بعض الصحابة بحلية ما ذبحوه للكنائس وغير ذلك.
وهذا الكلام منه مبني على ما يظهر من بعض الروايات أن الله اختار العرب على غيرهم من الأمم ، وأن لهم كرامة على غيرهم. ولذلك كانوا يسمون غيرهم بالموالي ، ولا يلائمه ظاهر الآيات القرآنية ، وقد قال الله تعالى : « يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ » : ( الحجرات : ١٣ ) ومن طرق أئمة أهل البيت عليهالسلام أحاديث كثيرة في هذا المعنى.
ولم يجعل الإسلام في دعوته العرب في جانب وغيرهم في جانب ، بل إنما جعل غير أهل الكتاب من المشركين سواء كانوا عربا أو غيرهم في جانب ، فلم يقبل منهم إلا أن يسلموا ويؤمنوا ، وأهل الكتاب سواء كانوا عربا أو غيرهم في جانب ، فقبل منهم الدخول في الذمة وإعطاء الجزية إلا أن يسلموا.