ونظيره الرواية بوجه رواية أخرى رواها أيضا في الدر المنثور ، عن أحمد عن علقمة بن عبد الله المزني قال : حدثني رجل قال : كنت في مجلس عمر بن الخطاب ـ فقال عمر لرجل من القوم : كيف سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله ينعت الإسلام؟ قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : إن الإسلام بدئ جذعا ـ ثم ثنيا ثم رباعيا ثم سدسيا ثم بازلا. قال عمر : فما بعد البزول إلا النقصان.
فهذه الروايات ـ كما ترى ـ تروم بيان أن معنى نزول الآية يوم عرفة إلفات نظر الناس إلى ما كانوا يشاهدونه من ظهور أمر الدين واستقلاله بمكة في الموسم ، وتفسير إكمال الدين وإتمام النعمة بصفاء جو مكة ومحوضة الأمر للمسلمين يومئذ فلا دين يعبد به يومئذ هناك إلا دينهم من غير أن يخشوا أعداءهم ويتحذروا منهم.
وبعبارة أخرى المراد بكمال الدين وتمام النعمة كمال ما بأيديهم يعملون به من غير أن يختلط بهم أعداؤهم أو يكلفوا بالتحذر منهم دون الدين بمعنى الشريعة المجعولة عند الله من المعارف والأحكام ، وكذا المراد بالإسلام ظاهر الإسلام الموجود بأيديهم في مقام العمل.
وإن شئت فقل : المراد بالدين صورة الدين المشهودة من أعمالهم ، وكذا في الإسلام ، فإن هذا المعنى هو الذي يقبل الانتقاص بعد الإزدياد.
وأما كليات المعارف والأحكام المشرعة من الله فلا يقبل الانتقاص بعد الإزدياد الذي يشير إليه قوله في الرواية : « أنه لم يكمل شيء قط إلا نقص » فإن ذلك سنة كونية تجري أيضا في التاريخ والاجتماع بتبع الكون ، وأما الدين فإنه غير محكوم بأمثال هذه السنن والنواميس إلا عند من قال : إن الدين سنة اجتماعية متطورة متغيرة كسائر السنن الاجتماعية.
إذا عرفت ذلك علمت أنه يرد عليه أولا : أن ما ذكر من معنى كمال الدين لا يصدق عليه قوله تعالى : « الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ » وقد مر بيانه.
وثانيا : أنه كيف يمكن أن يعد الله سبحانه الدين بصورته التي كان يتراءى عليها كاملا وينسبه إلى نفسه امتنانا بمجرد خلو الأرض من ظاهر المشركين ، وكون المجتمع على ظاهر الإسلام فارغا من أعدائهم المشركين ، وفيهم من هو أشد من المشركين إضرارا وإفسادا ، وهم المنافقون على ما كانوا عليه من المجتمعات السرية والتسرب في داخل المسلمين ، وإفساد الحال ، وتقليب الأمور ، والدس في الدين ، وإلقاء الشبه ، فقد كان لهم نبأ عظيم