والإنسان على حسب تحول العوامل المؤثرة في الاجتماعات يرضى بتغيير جميع أحكامه الاجتماعية دفعة أو تدريجا ولا يرضى قط بأن يسلب عنه وصف العدل ، ويسمى ظالما ، ولا بأن يجد ظلما لظالم إلا مع الاعتذار عنه ، وللكلام ذيل طويل يخرجنا الاشتغال به عن ما هو أهم منه.
ثم عمم معنى الحسن والقبح لسائر الحوادث الخارجية التي تستقبل الإنسان مدى حياته على حسب تأثير مختلف العوامل وهي الحوادث الفردية أو الاجتماعية التي منها ما يوافق آمال الإنسان ، ويلائم سعادته في حياته الفردية أو الاجتماعية من عافية أو صحة أو رخاء ، وتسمى حسنات ، ومنها ما ينافي ذلك كالبلايا والمحن من فقر أو مرض أو ذلة أو إسارة ونحو ذلك ، وتسمى سيئات.
فقد ظهر مما تقدم أن الحسنة والسيئة يتصف بهما الأمور أو الأفعال من جهة إضافتها إلى كمال نوع أو سعادة فرد أو غير ذلك فالحسن والقبح وصفان إضافيان ، وإن كانت الإضافة في بعض الموارد ثابتة لازمة ، وفي بعضها متغيرة كبذل المال الذي هو حسن بالنسبة إلى مستحقه وسيئ بالنسبة إلى غير المستحق.
وأن الحسن أمر ثبوتي دائما والمساءة والقبح معنى عدمي وهو فقدان الأمر صفة الملاءمة والموافقة المذكورة ، وإلا فمتن الشيء أو الفعل مع قطع النظر عن الموافقة وعدم الموافقة المذكورين واحد من غير تفاوت فيه أصلا.
فالزلزلة والسيل الهادم إذا حلا ساحة قوم كانا نعمتين حسنتين لأعدائهم وهما نازلتان سيئتان عليهم أنفسهم ، وكل بلاء عام في نظر الدين سراء إذا نزل بالكفار المفسدين في الأرض أو الفجار العتاة ، وهو بعينه ضراء إذا نزل بالأمة المؤمنة الصالحة.
وأكل الطعام حسن مباح إذا كان من مال آكله مثلا ، وهو بعينه سيئة محرمة إذا كان من مال الغير من غير رضا منه لفقدانه امتثال النهي الوارد عن أكل مال الغير بغير رضاه ، أو امتثال الأمر الوارد بالاقتصار على ما أحل الله ، والمباشرة بين الرجل والمرأة حسنة مباحة إذا كان عن ازدواج مثلا ، وسيئة محرمة إذا كان سفاحا من غير نكاح لفقدانه موافقة التكليف الإلهي فالحسنات عناوين وجودية في الأمور والأفعال ، والسيئات عناوين عدمية فيهما ، ومتن الشيء المتصف بالحسن والسوء واحد.