في سائر الأمور المحسوسة من الطبيعيات ويرجع بالآخرة إلى موافقة الشيء لما يقصد من نوعه طبعا.
فحسن وجه الإنسان كون كل من العين والحاجب والأذن والأنف والفم وغيرها على حال أو صفة ينبغي أن يركب في نفسه عليها ، وكذا نسبة بعضها إلى بعض ، وحينئذ تنجذب النفس ويميل الطبع إليه ، ويسمى كون الشيء على خلاف هذا الوصف بالسوء والمساءة والقبح على اختلاف الاعتبارات الملحوظة فالمساءة معنى عدمي كما أن الحسن معنى وجودي.
ثم عمم ذلك إلى الأفعال والمعاني الاعتبارية والعناوين المقصودة في ظرف الاجتماع من حيث ملاءمتها لغرض الاجتماع وهو سعادة الحياة الإنسانية أو التمتع من الحياة ، وعدم ملاءمتها فالعدل حسن ، والإحسان إلى مستحقه حسن ، والتعليم والتربية والنصح وما أشبه ذلك في مواردها حسنات ، والظلم والعدوان وما أشبه ذلك سيئات قبيحة لملاءمة القبيل الأول لسعادة الإنسان أو لتمتعه التام في ظرف اجتماعه وعدم ملاءمة القبيل الثاني لذلك ، وهذا القسم من الحسن وما يقابله تابع للفعل الذي يتصف به من حيث ملاءمته لغرض الاجتماع فمن الأفعال ما حسنه دائمي ثابت إذا كان ملاءمته لغاية الاجتماع وغرضه كذلك كالعدل ، ومنها ما قبحه كذلك كالظلم.
ومن الأفعال ما يختلف حاله بحسب الأحوال والأوقات والأمكنة أو المجتمعات فالضحك والدعابة حسن عند الخلان لا عند الأعاظم ، وفي محافل السرور دون المأتم ، ودون المساجد والمعابد ، والزنا وشرب الخمر حسن عند الغربيين دون المسلمين.
ولا تصغ إلى قول من يقول : إن الحسن والقبح مختلفان متغيران مطلقا من غير ثبات ولا دوام ولا كلية ، ويستدل على ذلك في مثل العدل والظلم بأن ما هو عدل عند أمة بإجراء أمور من مقررات اجتماعية غير ما هو عدل عند أمة أخرى بإنفاذ مقررات أخرى اجتماعية فلا يستقر معنى العدل على شيء معين فالجلد للزاني عدل في الإسلام وليس كذلك عند الغربيين ، وهكذا.
وذلك أن هؤلاء قد اختلط عليهم الأمر ، واشتبه المفهوم عندهم بالمصداق ، ولا كلام لنا مع من هذا مبلغ فهمه.