قوله تعالى : « وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللهَ » ، تأكيد في دعوتهم إلى مراعاة صفة التقوى في جميع مراحل المعاشرة الزوجية ، وفي كل حال ، وأن في تركه كفرا بنعمة الله بناء على أن التقوى الذي يحصل بطاعة الله ليس إلا شكرا لأنعمه ، أو أن ترك تقوى الله تعالى لا منشأ له إلا الكفر إما كفر ظاهر كما في الكفار والمشركين ، أو كفر مستكن مستبطن كما في الفساق من المؤمنين.
وبهذا الذي بيناه يظهر معنى قوله « وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ » ، أي إن لم تحفظوا ما وصينا به إياكم والذين من قبلكم وأضعتم هذه الوصية ولم تتقوا وهو كفر بالله ، أو عن كفر بالله فإن ذلك لا يضر الله سبحانه إذ لا حاجة له إليكم وإلى تقواكم ، وله ما في السماوات والأرض ، وكان الله غنيا حميدا.
فإن قلت : ما وجه تكرار قوله « لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ »؟ فقد أورد ثلاث مرات.
قلت : أما الأول فإنه تعليل لقوله « وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً » ، وأما الثاني فإنه واقع موقع جواب الشرط في قوله « وَإِنْ تَكْفُرُوا » ، والتقدير : وإن تكفروا فإنه غني عنكم ، وتعليل للجواب وقد ظهر في قوله « وَكانَ اللهُ غَنِيًّا حَمِيداً ».
وأما الثالث فإنه استيناف وتعليل بوجه لقوله « إِنْ يَشَأْ ».
قوله تعالى : « وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً » قد مر بيان معنى ملكه تعالى مكررا ، وهو تعالى وكيل يقوم بأمور عباده وشئونهم وكفى به وكيلا لا يحتاج فيه إلى اعتضاد وإسعاد ، فلو لم يرتض أعمال قوم وأسخطه جريان الأمر بأيديهم أمكنه أن يذهب بهم ويأتي بآخرين ، أو يؤخرهم ويقدم آخرين ، وبهذا المعنى الذي يؤيده بل يدل عليه السياق يرتبط بما في هذه الآية قوله في الآية التالية « إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ ».
قوله تعالى : « إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ » ، السياق وهو الدعوة إلى ملازمة التقوى الذي أوصى الله به هذه الأمة ومن قبلهم من أهل الكتاب يدل على أن إظهار الاستغناء وعدم الحاجة المدلول عليه بقوله « إِنْ يَشَأْ » ، إنما هو في أمر التقوى.
والمعنى أن الله وصاكم جميعا بملازمة التقوى فاتقوه ، وإن كفرتم فإنه غني عنكم