من غير تطرف ، والمندوب عليه أن يحسن إليهن ولا يظهر الكراهة لمعاشرتهن ولا يسيء إليهن خلقا ، وكذا كانت سيرة رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وهذا الذيل أعني قوله « فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ » هو الدليل على أن ليس المراد بقوله « وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ » نفى مطلق العدل حتى ينتج بانضمامه إلى قوله تعالى « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً » (الآية) إلغاء تعدد الأزواج في الإسلام كما قيل.
وذلك أن الذيل يدل على أن المنفي هو العدل الحقيقي الواقعي من غير تطرف أصلا بلزوم حاق الوسط حقيقة ، وأن المشرع هو العدل التقريبي عملا من غير تحرج.
على أن السنة النبوية ورواج الأمر بمرأى ومسمع من النبي صلىاللهعليهوآله والسيرة المتصلة بين المسلمين يدفع هذا التوهم.
على أن صرف قوله تعالى في أول آية تعدد الأزواج « فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ » : ( النساء : ٣ ) إلى مجرد الفرض العقلي الخالي عن المصداق ليس إلا تعمية يجل عنها كلامه سبحانه.
ثم قوله « وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً » تأكيد وترغيب للرجال في الإصلاح عند بروز أمارات الكراهة والخلاف ببيان أنه من التقوى ، والتقوى يستتبع المغفرة والرحمة ، وهذا بعد قوله « وَالصُّلْحُ خَيْرٌ » ، وقوله « وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا » ، تأكيد على تأكيد.
قوله تعالى : « وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ » ، أي وإن تفرق الرجل والمرأة بطلاق يغن الله كلا منهما بسعته ، والإغناء بقرينة المقام إغناء في جميع ما يتعلق بالازدواج من الايتلاف والاستيناس والمس وكسوة الزوجة ونفقتها فإن الله لم يخلق أحد هذين الزوجين للآخر حتى لو تفرقا لم يوجد للواحد منهما زوج مدى حياته بل هذه السنة سنة فطرية فاشية بين أفراد هذا النوع يميل إليها كل فرد بحسب فطرته.
وقوله « وَكانَ اللهُ واسِعاً حَكِيماً وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ » تعليل للحكم المذكور في قوله « يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ ».