على أن التاريخ يحكي دعوته صلىاللهعليهوآله اليهود وهم من بني إسرائيل ، والروم والعجم والحبشة ومصر وليسوا من العرب ، وقد آمن به من المشاهير سلمان وهو من العجم ومؤذنه بلال وهو من الحبشة وصهيب وهو من الروم ، فعموم نبوته صلىاللهعليهوآله في زمانه لا ريب فيه ، والآيات السابقة تشمل بعمومها الأزمان والأمكنة أيضا.
على أن قوله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) : « حم السجدة : ٤٢ » وقوله تعالى : ( وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ ) : « الأحزاب : ٤٠ » تدلان على عموم النبوة وشمولها للأمكنة والأزمنة أيضا ، والبحث التفصيلي عن هذه الآيات يطلب من تفسيرها في مواردها.
وكيف كان فالنبوة عامة ، والمتأمل في سعة المعارف والقوانين الإسلامية وما كان عليه الدنيا يوم ظهر الإسلام من ظلمة الجهل وقذارة الفساد والبغي لا يرتاب في عدم إمكان مواجهة الدنيا ومكافحة الشرك والفساد حينئذ دفعة.
بل كان من الواجب في الحكمة أن تبدأ الدعوة بالبعض وأن يكون ذلك البعض هو قوم رسول الله صلىاللهعليهوآله ثم يظهر بركوز الدين فيهم على غيرهم وهكذا كان ، قال تعالى : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) : « إبراهيم : ٤ » وقال : ( وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ) : « الشعراء : ١٩٩ » والآيات التي تدل على ارتباط الدعوة والإنذار بالعرب لا تدل على أزيد من كونهم بعض من تعلقت بهم الدعوة والإنذار ، وكذا الآيات النازلة في التحدي بالقرآن لو كان فيها ما ينحصر تحديه بالبلاغة فحسب إنما هي لكون البلاغة إحدى جهات التحدي بالإعجاز ، ولا دليل في ذلك على كون الأمة العربية هي المقصودة بالدعوة فقط نعم اللسان مقصود بالاستقلال للبيان كما مر من قوله : ( وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ) الآية ، وقوله : ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ ) : « يوسف : ٣ » وقوله : ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) : « الشعراء : ١٩٥ » فاللسان العربي هو المظهر للمعاني والمقاصد الذهنية أتم إظهار ، ولذلك اختاره الله سبحانه لكتابه العزيز من بين الألسن وقال : ( إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) : « الزخرف : ٣ ».
وبالجملة أمره الله تعالى بعد القيام بأصل الدعوة أن يبدأ بعشيرته فقال : ( وَأَنْذِرْ