الكلمة ألا تَرَى أنَّك لا تَجِدُ لهذه المُشَدَّدَةِ الميمِ تَصَرُّفاً إنما التَّصَرُّفُ كلُّه على ف وه. من ذلك قولُ الله عزوجل : (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ) [آل عمران : ١٦٧] وقال الشاعر :
فَلا لَغْوٌ وَلا تَأثْيِمَ فيها |
|
وَمَا فَاهُوا بِهِ أَبَداً مُقِيمُ (١) |
* وقالوا : رَجُلٌ مُفَوَّهٌ ، إذا أجادَ القَوْلَ ، ومنه الأفْوَهُ : للواسعِ الفَمِ ، ولم نَسمَعْهم قالوا :
أفمامٌ ، ولا تَفَمَّمْتُ ، ولا رَجُلٌ أفَمُّ ، ولا شيئاً من هذا النَّحْوِ لم نذكره ، فدَلَّ اجتماعُهم على تَصَرُّفِ الكلمة بالفاء والواو والهاء على أن التشديد فى فمٍ لا أصلَ له فى نفس المثال ، إنما هو عارِضٌ لحِقَ الكلمةَ ، فإن قال قائل : فإذا ثَبتَ بِما ذكرتَه أن التشديدَ فى فمِ عارِضٌ ليس من نفس الكلمةِ ، فمن أينَ أتى هذا التشديدُ؟ وكَيف وَجْهُ دُخوله إياها؟ فالجواب أنَّ أصلَ ذلك أنهم ثَقَّلوا الميم فى الوَقْفِ فقالوا : فَمّ ، كما يقولون : هذا خالِدّ وهو يَجْعَلّ ، ثم إنهم أجْرَوا الوصْلَ مُجرَى الوقفِ ، فقالوا : هذا فَمٌ ، ورأيت فمّا ، كما أجرَوُا الوصْلَ مُجْرَى الوقِف فيما حكاه سيبويهِ عنهم من قولهم :
*ضَخْمٌ يُحِبُّ الخُلُقَ الأضْخَمَّا* (٢)
وقولهم :
بِبازِلٍ وَجْناءَ أوْ عَيْهَلِ |
|
كأنَّ مَهْواها عَلى الكَلْكَلِ |
مَوْقِعُ كَفَّىْ رَاهِبٍ يُصَلِّى (٣) |
يريد « العَيْهَلَ » و « الكَلْكَلَ » قال ابن جِنِّى : فهذا حُكْمُ تشديدِ الميمِ عندى ، وهو أقوى من أَن تُجْعَل الكلمةُ من ذواتِ التَضعيفِ بمنزلةِ هَمٍّ وحَمٍّ ، قال : فإن قلت : فإذا كان أَصلُ فَمٍ عندك فُوهٌ ، فما تقول فى قول الفرزدقِ :
هُما نَفَثا فى فِىَ مِنْ فمَوَيْهِما |
|
على النَّابِحِ العاوِى أشَدَّ رِجامِ (٤) |
وإذا كانت الميمُ بدلاً من الواو التى هى عينٌ فكيف جاز له الجمعُ بينهما؟ فالجواب أنَّ أبا
__________________
(١) البيت لأمية بن أبى الصلت فى ديوانه ص ٥٤ ؛ ولسان العرب (أثم) ؛ وبلا نسبة فيه (فوه).
(٢) الرجز لرؤبة فى ملحق ديوانه ص ١٨٣ ؛ ولسان العرب (ضخم) ؛ وتاج العروس (ضخم) ؛ وبلا نسبة فى لسان العرب (بعد) ، (بيد) ، (فوه) ؛ والمخصص (٢ / ٧٨).
(٣) الرجز لمنظور بن مرثد الأسدى فى لسان العرب (كلل) ، (فوه) ؛ وتاج العروس (ملظ) ، (كلل) ؛ وبلا نسبة فى مقاييس اللغة (٤ / ١٧٣).
(٤) البيت للفرزدق فى ديوانه (٢ / ٢١٥) ؛ ولسان العرب (فمم) ، (فوه) ؛ وبلا نسبة فى جمهرة اللغة ص ١٣٠٧.