وقولُ امرِئِ القيس :
وقَدْ رابَنِى قَوْلُها يا هَنا |
|
هُ ويحَك ألْحَقْتَ شَراً بِشَرّ (١) |
فإنَّ بعض النحويين قال : أصلُه هَناوٌ ، فأبدل الهاء من الواو فى هَنَواتٍ وهَنُوك ، لأن الهاء إذا قَلَّتْ فى بابِ شَددْتُ وقَصَصْتُ فهى فى باب سَلِسَ وقَلِقَ أجدَرُ بالقِلَّةِ ، فانضاف هذا إلى قولهم فى معناه : هَنُوكَ وهَنَواتٌ ، فقضينا بأنها بدَلٌ من الواو ، ولو قال قائل : إن الهاء فى هَناه إنما هى بَدَلٌ من الألِف المنقلِبة من الواو الواقعَةِ بعد ألفِ هَناه ؛ إذ أصلُه هَناوٌ ، ثم صار هَناءً ، كما أنَّ أصلَ عَطاءٍ عطاوٌ ، ثم صار بعد القلب عَطاء فلما صار هَناءً ، والتقت ألفانِ كُرِه اجتماعُ الساكِنَينِ ، فقُلِبت الألفُ الأخيرةُ هاءً ، فقالوا : هَناهٌ ، كما أبدَل الجميعُ من ألِفِ عطاء الثانية هَمْزَةً ؛ لئلا تجتمع همزتانِ لكان قَولاً قَوِيّا ، ولكانَ أيضاً أشبَه مِن أنْ يكون قُلِبَت الواوُ فى أوَّلِ أحوالِها هاءً من وَجهَينِ : أحدهما أن من شَرِيطةِ قَلْبِ الواوِ ألفا أن تَقَعَ طَرَفاً بعد ألف زائدةٍ ، وقد وقعت هنا كذلك ، والآخَرُ : أنَّ الهاء إلى الألفِ أقرَبُ منها إلى الواوِ ، بل هما فى الطَّرَفَيْنِ ؛ ألا تَرى أنَّ أبا الحسنِ ذَهَبَ إلى أنَّ الهَاءَ مَعَ الأَلِفِ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لِقُربِ ما بينهما ، فقلْبُ الألفِ هاءً أقرَبُ من قلب الواوِ هاءً ، قال أبو علىٍّ : ذهب أحدُ عُلمائنا إلى أن الهاءَ مِن هَناه ، إنما أُلحِقت لخفاءِ الألفِ ، كما تُلْحَق بعد ألفِ النُّدْبَة فى نحو وَازَيْداه ، ثم شُبِّهت بالتاءِ الأصلِيَّة ، فَحُركَت ، فقالوا : يا هَناهُ.
* وقال بعضُ النحويين : هَنانِ وهَنونَ : أسماءٌ لا تُنَكَّر أبداً ، لأنَّها كناياتٌ ، وجارِيَةٌ مَجْرَى المُضمرَة ، فإنما هى أسماءٌ مَصوغَةٌ للتثنية والجمع ، بمنزلة اللَّذَيْنِ والَّذينَ ، وليس كذلك سائرُ الأسماءِ المُثَنَّاة نحو زيدٍ وعمرٍو ؛ ألا ترى أن تعريف زيدٍ وعمرٍو إنما هما بالموضع والعَلَمِيَّة ، فإذا ثنيتهما تَنَكَّرا فقلت : رأيت زَيْدَيْنِ كَريمينِ ، وعِندى عَمْرانِ عاقِلان ، فإن آثَرْت التعريفَ بالإضافَة أو باللام قلتَ : الزيدانِ والعَمْرانِ ، وزَيْداكَ وعَمْراكَ ، فقد تَعَرَّفا بعدَ التثنيةِ من غيرِ وَجْهِ تَعَرُّفِهما قبْلَها.
* والهَناةُ : الدَّاهِيَةُ ، والجمع كالجمعِ ، قال :
أرَى ابنَ نِزارٍ قَدْ جَفانِى ورَابَنِى |
|
عَلى هَنَواتٍ كُلُّها مُتَتابِعُ (٢) |
وقد تقدَّم جُلُّ ذلك فى الياءِ ، لأن الكلمة يائية وواويَّة.
__________________
(١) البيت لامرئ القيس فى ديوانه ص ١٦٠ ؛ ولسان العرب (هنن) ، (هنا) ؛ وبلا نسبة فيه (هنا).
(٢) البيت بلا نسبة فى لسان العرب (هنا) ؛ وتاج العروس (هنو).