فَعَلْتُ فتُلحِق الزوائدَ وتَبْنِيه بناءً آخَر ، كما أنك قُلتَ فى فَعَلْت ، فَعَّلت : حين كثَّرْتَ الفِعْل ثم ذكر المصادِر التى جاءت على التَّفْعال ، كالتَّهذارِ ونَحوِها ، قال : وليس شىءٌ من هذا مَصْدَر فَعَّلْت ، ولكن لما أرَدت التكثيرَ بنَيْتَ المصدر على هذا ، كما بنَيْتَ فَعَلْت على فَعَّلْت وقول كُثَيِّرٍ.
وإنِّى وتَهْيامِى بِعَزَّةَ بَعْدَما |
|
تَخَلَّيْتُ مِما بَينَنا وتَخَلَّتِ (١) |
قال ابن جِنِّى : سألت أبا علىٍّ فقلت : ما موضع ، « تَهْيامِى » من الإعراب؟ فأفتى بأنَّه مَرفوعٌ بالابتداء وخبرُه قوله : « بِعَزَّة » وجعل الجملة التى هى « تَهيامى بعزَّة » اعتراضا بين إنَّ وخبرِها ، لأن فى هذا أضْرُباً من التشديد للكلام ، كما تقول : إنك ـ فاعْلَمْ ـ رَجُلُ سَوْءٍ :
وإنَّه ـ والحقَّ أقولُ ـ جَميلُ المذهَب ، وهذا الفَصْلُ والاعتراضُ الجارِى مَجرَى التوكيدِ كثيرٌ فى كلامهم ، قال : وإذا جاز الاعتراضُ بين الفِعل والفاعل فى نحو قوله :
وقدْ أدرَكَتْنِى ـ والحَوادِثُ جَمَّةٌ ـ |
|
أسِنَّةُ قَوْمٍ لا ضِعافٍ ولا عُزْلِ (٢) |
كان الاعتراضُ بين اسمِ إنَّ وخبرِها أسْوَغَ ، وقد يحتَمِل بيتُ كُثَيِّرٍ أيضاً تأويلاً آخرَ غيرَ ما ذَهَب إليه أبو علىّ ، وهو أن يكون « تَهيامِى » فى موضع جَرٍّ على أنه أقسم به ، كقولك : إنى ـ وحُبِّكَ ـ لَضَنِينٌ بكَ ، قال ابن جنى : وعرَضْتُ هذا الجوابَ على أبى علىٍّ فَتَقَبَّله ، ويجوز أن يكون تَهيامِى أيضاً مُرتفِعاً بالابتداءِ ، والباء مُتعلِّقةٌ فيه بنفس المصدرِ الذى هو التَّهْيَام ، والخبر محذوف ، كأنه قال : وتَهيامى بعزَّة كائنٌ أو واقعٌ ، على ما يُقَدَّر فى هذا ونحوِه.
* وقد هَيَّمَه الحُبُّ ، قال أبو صَخْرٍ :
فَهَلْ لكَ طِبٌّ نافِعٌ مِنْ عَلاقَةٍ |
|
تُهَيِّمُنِى بينَ الحَشا والترائِبِ (٣) |
والاسم الهُيامُ.
* ورجُلٌ هَيْمانُ : مُحِبٌّ شديدُ الوَجْدِ.
* وقالوا : هِمْ لِنَفسِك ولا تَهِمْ لهؤلاء ، أى اطلُبْ لها واهْتَمَّ واحتَلْ.
* والهُيام : أشَدُّ العَطَش ، وقد هامَ الرجلُ هُياماً فهو هائِمٌ وأهْيمُ ، والأُنثى هائمةٌ وهَيماءُ ، وهَيْمانُ ، عن سيبويه ، والأنثى هَيْمَى ، والجمعُ هِيامٌ.
__________________
(١) البيت لكثير عزة فى ديوانه ص ١٠٣ ؛ ولسان العرب (هيم).
(٢) البيت لجويرية بن زيد فى الدرر (٤ / ٢٥) ؛ ولرجل من بنى دارم فى شرح شواهد المغنى (٢ / ٨٠٧) ؛ وبلا نسبة فى لسان العرب (هيم).
(٣) البيت لأبى صخر الهذلىّ فى شرح أشعار الهذليين ص ٩١٨ ؛ ولسان العرب (هيم) ؛ وتاج العروس (هيم).