غابت فاطمة .. لم يعد أحد يسمع بها .. انها تذوي وحيدة في بيت من جريد النخيل غادرته الحياة .. الملائكة لا تريد حياة الأرض ، والحوريات لا تعيش في عالم التراب .. والذين اكتشفوا السماء لن يطيقوا الانتظار ...
وعندما يدرك الأنبياء ان مواعظهم لاتجد آذاناً واعية سيتحدّثون بلغة الصمت ...
في بيت الأحزان كانت فاطمة تذوب كشمعة متوهّجة تحرق نفسها لتبعث النور والدفء من حولها ... فاطمة تتحدّث بلغة الشموع لغة لا يسبر غورها إلّا فراشات النور. ها هي فاطمة تصرخ بصمت :
ـ بدويّ صمتي اناديكم .. ثورتي تنطوي في حزني .. ورفضي كامن في دموعي.
وهذا كلّ ما أملكه من لغة .. علّكم تفهمون خطابي. انا مظلومة يا ربي ..
حرّرني من هؤلاء.
ذوت الشمعة ... أحرقت نفسها. لم يبق منها إلّا حلقات من نور ... آن لها أن تنطفئ. الوجه يشبه قمراً أنهكته ليلة شتائية طويلة بدا مصفرّاً ... وكان الصوت واهناً تحمله أمواج حزينة ... والدموع غزيرة كمطر سماء غاضبة ...