ورأت فاطمة في تلك الليلة ما لا عين رأت وسمعت ما لا أذن سمعت ولم يخطر على قلب بشر.
رأت اشجاراً خضراء مدّت عروقها في كثبان من المسك وكانت الأنهار الصافية المتألقة تتكسّر امواجها عند جذوع الأشجار .. ونسائم تمرّ تلامس الأغصان فتصطفق الأوراق بصوت حالم .. وقد بدت كبائس اللؤلؤ الرطب في ذرى الأغصان ... وتبدت الثمار في غلف الاكمام ... وقصور الزبرجد متناثرة هنا وهناك كالأحجار الملونة. ينابيع السلسبيل تتدفق ... وأطفال كاللؤلؤ يحملون كؤوس الفضة ملأى بالعسل المصفى ... يتألقون في الظلال وفي الضياء ... في ربيع دائم .. لا فيه شمس ولا زمهرير.
سادة القصور يرتدون ثياباً من سندس أخضر ومن استبرق .. في أيديهم كؤوس طافحة يستمتعون باحتساء شراب الزنجبيل. الوجوه طافحة بالسعادة الأبدية .. وجوه نظرة .. نحتها النسيم الربيعي المشبع بشذى الورود والأزهار الخالدة.
رأت فاطمة كلّ ذلك. ساحت بين تلال المسك وقصور الزبرجد .. غرقت في بحيرات السعادة ...
كادت تذوب شوقاً فهناك الله .. وما أحلى أن يجاور الانسان مبدأ الانسان ، وقد تحرّر تماماً من ويلات الأرض.