( الرابع ) أن داود عليه السلام كان
مشتغلا بعبادته فأتاه رجل وامرأة يتحاكمان فنظر إلى المرأة ليعرفها بعينها ليحكم
لها أو عليها ، وذلك نظر مباح فمالت نفسه إليها ميل الخلقة ففصل بينهما وعاد إلى
عبادته فشغله الفكر في أمرها عن بعض نوافله فعوتب.
( الخامس ) أن الصغيرة منه إنما كانت
بالعجلة في الحكم قبل التثبت وكان يجب عليه لما سمع الدعوى من أحد الخصمين أن يسأل
الآخر عما عنده فيها ولا يقضي عليه قبل المسألة.
والمجيب بهذا الجواب قال : ان الفزع من
دخولهما عليه في غير وقت العادة أنساه التثبت والتحفظ والقائلون بهذا القول حملوا
التحاكم على ضرب المثال ، وإلا فيلزم إقدام الملك على الكذب وحملوا النعاج على
النسوة ، وكل ذلك عدول عن الظاهر من غير دليل.
( فإن قيل ) هب أنه لا دلالة في الآية
على الذنب البتة ولكن مسارعته إلى تصديق أحد الخصمين حلى حكمه يكون الآخر ظالما
غير جائز ( قلنا ) ليس في القرآن أنه صدقه من غير ظهور الحجة ، إذ المراد إن كان
الأمر كما ذكرت فقد ظلمك.
( الشبهة الثانية ) تمسكوا بقوله تعالى
: ( وَدٰاوُدَ وَسُلَيْمٰانَ
إِذْ يَحْكُمٰانِ فِي اَلْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ اَلْقَوْمِ وَكُنّٰا
لِحُكْمِهِمْ شٰاهِدِينَ فَفَهَّمْنٰاهٰا سُلَيْمٰانَ )
قالوا فلو كان داود عليه السلام مصيبا في حكمه لما خص اللّه تعالى سليمان بقوله : ( فَفَهَّمْنٰاهٰا
).
جوابه : أن تخصيص سليمان عليه السلام
بالذكر لا يدل على أن داود بخلافه فإن دليل الخطاب في اللقب لا يفيد بإجماع
المحققين ، ثم في هذا التخصيص فائدتان سوى ما ذكروه :
__________________