وقد نما هذا الموضع المأهول الجديد الذي كان في البداية مجرد قاعدة عسكرية تستخدمها تركيا لإخضاع القبائل العربية في المنطقة، بسرعة وتحول إلى مدينة يبلغ عدد سكانها عشرة آلاف نسمة وأصبح أسمها العمارة.
وتدين العمارة في تطورها لموقعها الممتاز ذلك أنها بسبب من وقوعها على بعد لا يزيد عن خمسين كيلومتراً عن قرى لورستان الحدودية ولا يتعدى بضعة ايام من سير القوافل عن المدن الفارسية شوستر ودزفول والحويزة، أصبحت المجهز لكل منطقة الحدود هذه بالبضائع الأوربية التي تنقلها إليها السفن الإنجليزية والعثمانية التي اقامت لها خطوطاً ملاحية منتظمة في دجلة. ولقد أصاب افتتاح الملاحة في نهر الكارون الأزدهار التجاري للعمارة بضرر كبير إذ اقتطع منها أسواق خوزستان ولم يبق لها إلا التجارة النشيطة مع لورستان ومع القبائل العربية المنتقلة في الجوار.
وتبدو العمارة للناظر من سطح السفينة جميلة وذلك بفضل كورنيشها الذي تمتد عليه في خط واحد بيوت تتالف من طابقين مبنية بالأجر وتقسمها إلى أحياء منفصلة عدة شوارع عريضة ومستقيمة انّ هذه الواجهة الجميلة تبدو كما لو أنها ديكور يخفي وراءه العمارة الحقيقية بأبنيتها الطينية وصرائفها وبساتينها وحقولها المحروثة.
ويتألف سنجق العمارة التي تكون المدينة
التي وصفناها قبل قليل مركزه الإداري من قسمين أحدهما عبارة عن صحراء والآخر اهوار وتسكن في هذا الأخير قبائل عربية تشتغل بالأساس بتربية الماشية وزراعة الرز في الأهوار. لذا فليس هناك ما يدهش، في ظل مثل هذه الظروف، في إننا لا نجد في هذا السنجق مدناً أخرى إلى جانب العمارة، بل حتى عدد القرى والمدن الصغيرة محدود إلى درجة بحيث لا توجد في الأقضية