في الوقت الحاضر بؤرة لكل أنواع الملاريا التي تتخذ في القسم الجنوبي منه وفي منطقة البصرة طابع الوباء المحض. ويمكننا أن نتبين إلى أي مدى يكون المناخ قاتلاً هناك بالنسبة للأجانب من المثل الذي اطلقه العرب والذي معناه كالآتي: أنا البصرة معروفة لكم جيداً إذا حضر غريب فانبئوني وإذا ما ذهب عني سالماً معافى فلوموني (١).
وينطبق المثل المذكور على العراق الأدنى بأجمعه إذ أنه يشبه البصرة تماماً في مناخه، ولكنه يفقد معناه بالنسبة للعراق إلى الشمال من كوت الامارة فلقد بات من الأكيد تماماً أن مناخ العراق يزداد جفافاً ويصبح صحياً أكثر كلما ابتعدنا عن الخليج. وهكذا فإن الأروبيين يتحملون حرارة الصيف التي تصل في بغداد في أحيان كثيرة إلى ٥٠ درجة مئوية في الظل بفضل جفاف الهواء الرائع أسهل من تحملهم لدرجة الحرارة التي تقل عن ذلك في البصرة (٤٥ درجة مئوية كحد أعلى في الظل) حيث الهواء مشبع ببخار الخليج والمستنقعات المحيطة بالمدينة على السواء.
ومما لا شك فيه أن العراق العربي ينتمي من حيث ظروفه المناخية العامة إلى البلدان الحارة حيث تنقسم السنة إلى فصلين حار وبارد يتميزان عن بعضهما بشكل حاد، فالحرارة تبدأ بالارتفاع اعتباراً من النصف الثاني من آذار بعد ربيع قصير هو أطيب أوقات السنة في هذه الأصقاع، وتصل في تموز في البصرة وفي آب في بغداد إلى أعلى معدل لها (٢). ولا تأخذ
______________________
(١) T.M. Lycklama a Nijeholt: Voyage en Russie au Caucase et en Paris. ١٨٧٢. t.III. p.٧٤.
(٢) في الوقت الذي يكون فيه الحد الأعلى في بغداد ٥٠ درجة مئوية في الظل فإن هذا الحد لا يتعدى في البصرة ٤٥ مئوية علما بأن الحرارة تستمر في الأخيرة بمعدل أعلى من ٣٩ درجة مئوية في الظل لمدة لا تقل عن المائة والعشرين يوماً.