الأهوار الممتدة على طول دجلة والفرات وتعرف باسم عام هو «المعدان». وهي قبائل متوحشة لم تخضع بعد لتأثير المدنية الذيترک أثراً نافعاً جداً على القبائل العربية الأخرى حيث أشاع روح المسالمة عندها. فالمعدان لم يتخلوا حتى الآن عن عاداتهم القرصنية فهم عند أول فرصة ملائمة يهجمون في قواربهم الصغيرة المسطحة القاع على السفن التي تمر في الجوار متسترين بظلام الليل. وعندما يجري صدهم أو يفشلون يعمدون إلى الاختفاء بسرعة في أهوارهم حيث لا تتمکن من الوصول اليهم حتى القطعات العسکرية المؤلفة من الجندرمة المجهزة بالقوارب ذلک لأن سکان الأهوار يبادرون عند سماعهم باقتراب هؤلاء الجندرمة إلى تحويل أکواخهم المعمولة من القصب إلى أرماث عائمة يخلصون بواسطتها أنفسهم وأفراد عوائلهم وأمتعتهم کافة حيث يذهبون إلى مجاهل يصعب المرور بها. ويسکن مربو الجاموس هؤلاء الذين ينظر إليهم حتى أبناء جلدتهم بازدراء ظاهر، على قطع من اليابسة مبعثرة على شکل جزر صغيرة في الأهوار الشاسعة، وهم يسيرون شبه عراة ويتألف غذائهم بشکل کلي من حليب الجاموس والرز الذي يزرع هناک في الأهوار أيضاً.
والجاموس المتکيف بطبيعته للعيش في الأهوار يتطلب مع ذلک رعاية کبيرة، فقي الضيف ينبغي حمايته من البعوض والناموس الذي يعذبه حتى يوشک على الموت ولهذا فإنهم يطلون الجاموس ليلاً بالنفط أو يسوقونه إلى حظائر يجري تدخينها بالروث المضغوط (١) وفي الشتاء يتحتم المحافظة عليه من البرد الذي لا يتحمله الجاموس فيضعونه في أکواخ من القصب تجري تدفئتها بالقصب وتبن الرز. ويؤلف الجاموس الثروة
______________________
(١) يقصد ما يسمىه العامة بـ «الجلّة» أو «المطال» ـ المترجم.