البدو للشتاء الذي يعتبرونه «فصل الجوع» کرات صغيرة من حليب النوق تنشف جيداً وتکبس ثم تجفف في الشمس (١) ويحتفظون بها أشهراً.
وتعطي هذه الکرات بعد أن تذاب بالماء شراباً أشبه بالحليب الحامض وإذا ما کان التمر يؤلف الغذاء الرئيسي بل والوحيد في بعض الأحيان بالنسبة للأعراب في جنوب العراق الجنوبي. فإن استهلاک ثمار النخيل هذه إذا زاد عن الحد يعتبر في ولاية بغداد أي إلى الشمال أکثر أمراً مضراً بالصحة بحيث أن السکان هناک يعمدون من أجل القضاء على الدزانتري الذي تسببه تلک الثمار إلى شرب القهوة سوداء قوية بدون سکر.
ويستهلک هذا المشروب أي القهوة على نطاق واسع بين سکان المدن العرب وکذلک لدى البدو الذين يقدمونه لضيوفهم قبل أي شيء آخر کما أن رفض الضيف لتناوله يعتبر إهانة مقصودة لصاحب الخيمة. وإلى جانب هذا الأثر النافع للقهوة يعتقد البدو أن لها خصائص علاجية أخرى كتحسين النظر وتقوية الذاکرة وما أشبه ولهذا فإنها تتمتع بالاکبار بين البدو، حتى أن تحضيرها يحاط بطقوس خاصة. حيث يقوم بذلک خادم خاص لهذا العمل أو رب الدار نفسه بأن يغلي الماء في الدلة ثم يبدأ بتحميص البن وهو أمر يجري دوماً قبل تقديم القهوة مباشرة. تحمص حبوب البن في مغرفة حديدية کبيرة على نار هادئة إلى أن تحمر ثم تبرد وتطحن في جرن خاص ويوضع المسحوق في الدلة التي يکون الماء فيها آخذ بالغليان. ويضيف البدو إلى القهوة في العادة قليلاً من الزعفران أو جوز الطيب ويشربون هذا الشراب العطر بلا سکر لأنهم يعتقدون بأن
______________________
(١) بقصد المؤلف ما يسمى بالعامية بـ «الجثي» ـ المترجم. يسميه البدو بلهجتهم (المَگُل)