قد تحققت جناية قبل الضرب وشككنا في وجودها حين الضرب ، والاصل الحياة فوجب البناء على اليقين ، كمن تيقن الطهارة وشك في الحدث أو بالعكس ، فانه يبنى على اليقين فيهما.
وأما دعوى الجاني ، فلاستناده الى الاصل ، ولان الظاهر من حال الملفوف في الكساء الموت ، واذا تعارضا تساقطا ووجب الرجوع الى الاصل ، وهو في جنية الجاني ، وهو فتوى الشيخ في المبسوط (١) والخلاف (٢).
وأما الاحتمال الاخر ، فاعلم أن بعض الفقهاء جعل القول قول الولي ، نظرا الى ما قلناه ، واستضعفه الشيخ في المبسوط ، وهو القول الثاني للشافعي.
قال رحمهالله : ولو صرح بالعفو صح فيما كان ثابتا وقت الابراء ، وهو دية الجرح. أما القصاص في النفس أو الدية ، ففيه تردد لانه ابراء مما لم يجب. وفي الخلاف يصح العفو عنها وعما يحدث ، ولو سرت كان عفوه ماضيا من الثلث لانه بمنزلة الوصية.
أقول : اعلم أن الشيخ رحمهالله ذكر هذه المسألة في الخلاف (٣) ، وأفتى فيها بصحة العفو وحكم بخروج الدية من الثلث فحسب ، لان تصرفات المريض انما يصح عنده من الثلث.
واحتج بعموم قوله تعالى « والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له » (٤) فندب تعالى الى التصدق الذي هو كناية عن الابراء ولم يفرق بين موضع وآخر ، ولان الاصل الجواز ، فالمانع يحتاج الى دليل ، وهو ظاهر كلامه في
__________________
(١) المبسوط ٧ / ٢٥٥.
(٢) الخلاف ٢ / ٤١٧.
(٣) الخلاف ٢ / ٣٧٠.
(٤) سورة المائدة : ٤٥.