الملاقاة الكثرة ودوام النبع ، لا في صدق الجاري ، فلا تغفل ، إلّا أن يقال : إنّ الجاري فى عرفهم ما كان حكمه مخالفا للواقف دون ما يصدق عليه الاسم عرفا ، فيتفاوت تعريفه بتفاوت الحكم ، فلا يكون غير دائم النبع ، أو القليل جاريا عند مشترط الدوام والكثرة ، وهو بعيد.
وقد يجعل قوله : « على المشهور » قيدا لقوله : « غير البئر » ؛ لأنّ غير المشهور أنّ البئر لا ينجس بمجرّد الملاقاة ويطهر بمجرّد زوال التغيّر.
وفيه ما مر من أنّ عدم التنجّس بالملاقاة والطهر بالزوال لا يوجب صدق الجاري.
أو لأنّ غير المشهور في البئر لمّا كان هو عدم التنجّس بالملاقاة والطهر بالزوال ، فيكون هو أيضا ماء جاريا ، فلا وجه لإخراجه عنه ؛ لاتحاد حكمهما.
وفيه : أنّ القائل بعدم تنجّس البئر بالملاقاة وطهره بالزوال يقول باستحباب النزح في النجاسات المعيّنة ، وليس ذلك مستحبّا في الماء الجاري عنده ، فيختلف حكمهما ، ويفترق عن الجاري أيضا ، على أنّ اتحاد الحكم لا يوجب صدق الاسم.
وقوله : واعتبر المصنّف إلى آخره.
الضمير المجرور راجع إلى التطهير المدلول عليه بقوله : « ويطهر » ، أو إلى الحكم المذكور ، أو إلى الجاري أي : اعتبر في الجاري من حيث تعلّق الحكم المذكور به ، أو من حيث إطلاق الجاري عليه ، ولكن هذا إنّما هو على الاحتمال البعيد المتقدّم.
هذا ، ثمّ إنّه تبع المصنّف في هذا الشرط جمال الدين أحمد بن فهد في موجزه.
وقد ذكروا في بيان المراد بدوام النبع وجوها ثلاثة :
أحدها : ما ذكره الشارح في روض الجنان وهو : أنّ المراد بدوام النبع عدم الانقطاع في أثناء الزمان ككثير من المياه التي تخرج زمن الشتاء وتجفّ في الصيف.
ولا يخفى أنّ هذا المعنى وإن كان أربط باللفظ والأقرب إليه لكونه المتبادر منه عرفا ، لكنّه ممّا يقطع بفساده. أمّا أوّلا ؛ فلأنّه لا شاهد له من الأخبار ولا يساعده الاعتبار ، فهو تخصيص بلا مخصّص. وأمّا ثانيا ؛ فلأنّ الدوام بالمعنى المذكور إن اريد به ما يعم الزمان كلّه ، فلا ريب في بطلانه ؛ إذ لا سبيل إلى العلم به وإن خصّ ببعضها ، فهو مجرّد الحكم. ( كذا )