الخاصّ هو العموم ، لكن ذكر الخاصّ من باب المثال أو من باب أنّه الغالب أو الأكثر أو لبيان تحريك العاطفة أو نحو ذلك من الجهات ، كما في تقييد الربائب بأنّها في الحجور ، فليس هناك [ ورود ] ولا حكومة ولا قرينة وذو القرينة ، وإنّما جلّ ما هناك الذوق والارتكاز ، وهذا هو محصّل الاجتهاد في فهم مرادات المتكلّمين من كلامهم ، ولا يختصّ به أهل لسان خاصّ ، بل هو جارٍ في جميع المحاورات.
ولو راجعت الفقه لرأيت أنّ أغلب الاختلافات في الفروع راجع إلى هذا النحو من الاختلاف ، وليس لذلك حدّ محدود ولا قانون مضبوط ، بحيث إنّه يكون التخلّف عنه واضحاً ظاهراً ، وأقصى ما في البين أن نقول إنّه تساعد عليه طريقة العقلاء في المحاورة ، ومن الواضح أنّ ذلك لا يكون من الضوابط الواضحة التي توقف المخالف عند حدّه ، بل كلّ يرى أنّ ما صار إليه من الجمع بين الدليلين بل ما أخذه من الدليل الواحد وإن لم يكن له معارض هو المطابق للطريقة العقلائية.
وما أشبه ذلك بدعوى فهم العرف المعنى الفلاني من اللفظ الفلاني في حين أنّه لم يسأل العرف ولم يذهب إلى محكمتهم وأين هي ، وما العرف إلاّهو ، وما الطريقة العقلائية إلاّمنه ، سنّة الله تعالى في خلقه ليجري النظام وتنفتح أبواب الاجتهاد ، فإنّه يدور على ذلك. بل لعلّ الاختلاف في كثير من المسائل العقلية يدور على ذلك ، كمسائل التحسين والتقبيح العقليين ونحو ذلك ممّا يكون الحاكم به هو عقل الإنسان نفسه ، وبالأحرى أنّ الحاكم به هو نفس مدّعيه ، لا أنّ هناك محكمة مفتوحة تصدر تلك الأحكام ابتداءً منها أو بعد الاستفهام والسؤال.