وما تقدّم كان فيما يكون في حدّ نفسه تقية ، وهذان المقامان نظير ما تقدّم من أنّه أفاد في بعض المباحث السابقة أنّه لا معنى للتعبّد بصدور ما هو مجمل ، وفي مقام آخر أنّه إذا كان المخصّص المنفصل مجملاً يحكم بصدوره وسراية إجماله إلى العام ، فإنّه قد يتوهّم التناقض بين ما أفاده في المقام الأوّل والمقام الثاني.
والجواب عنه تقدّم منّا ، وحاصله أنّه لا أثر للتعبّد بصدور المجمل ، وفي الثاني أثره إجمال العام ، وهذا الإجمال ـ أعني إجمال العام ـ آت من الحكم بصدور الخاصّ المجمل ، فتأمّل.
وحيث إنّه لم يتّضح الفرق بين المقامين أورد عليه البعض بأنّه مناقض لما تقدّم منه تارةً وبالنقض بالمتكافئين أُخرى. أمّا التناقض فقد عرفت الجواب عنه. ومنه يتّضح لك الجواب عن النقض المذكور ، فإنّ هذا النقض إنّما نشأ من تخيّل أنّ الشيخ قدسسره يمنع من إجراء أصالة الصدور في كلا الخبرين مع الرجوع إلى المرجّح الجهتي ، وعن خلط أحد المقامين بالآخر.
قلت : الإنصاف أنّ المنشأ فيما ذكر من الإشكالين هو الشيخ قدسسره ، فإنّ ما أفاده في جواب « إن قلت » بقوله : قلت لا معنى للتعبّد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعيّن على التقية الخ (١) ، ظاهر بل صريح في أنّ كلامه في المقام الثاني ، وأنّ الحكم بالتقية الناتج عن الحكم بالصدور مانع عن الحكم بأصالة الصدور ، لا فيما يكون في حدّ نفسه [ تقيّة ] ، وذلك لأنّ ما أورده [ في ] « فإن قلت » إنّما كان إيراداً في المتعارضين ، بدعوى أنّه يحكم بصدورهما معاً ، ثمّ بعد الحكم بالصدور يحكم بأنّ الموافق للعامّة كان تقية.
ولو أجاب قدسسره عن هذا الايراد بأنّه لا معنى للحكم بصدورهما معاً مع
__________________
(١) فرائد الأُصول ٤ : ١٣٧.