فلا يحكم بأنّ الكلام صادر لبيان الواقع إلاّبعد الحكم الفعلي بأنّ الظاهر مراد.
أمّا من طرف العكس ـ أعني توقّف كلّ سابق من هذه الأُصول على لاحقه ـ فليس توقّفاً فعلياً ، وإنّما هو تعليقي ، بمعنى أنّه يكفي في جريان أصالة الصدور والحكم بأنّه صادر من متكلّمه هو أنّ له ظاهراً على تقدير كونه صادراً ، وأنّه صادر لبيان الواقع على تقدير كونه صادراً ، فلا يكون السابق متوقّفاً إلاّعلى تحقّق اللاحق على تقدير تحقّق السابق ، لا على فعلية اللاحق كي يتأتّى الدور.
قلت : وحاصل ذلك أنّ أصالة الظهور التي هي عبارة عن الحكم على المتكلّم بأنّه أراد الظاهر يتوقّف على فعلية الحكم بالصدور ، أمّا الحكم بالصدور فلا يتوقّف على فعلية الظهور ، أعني الحكم فعلاً على المتكلّم بأنّه أراد الظاهر ، بل أقصى ما في البين هو توقّف الحكم بالصدور فعلاً على كون ذلك الكلام له ظاهر لو كان صادراً ، ففعلية الظهور وإن توقّفت على فعلية الصدور إلاّ أنّ فعلية الصدور لا تتوقّف على فعلية الظهور ، بل يكفي في الحكم الفعلي بالصدور هو كون ذلك الكلام له ظاهر لو كان صادراً ، وبذلك يندفع الدور.
أمّا ما في الكتاب في تقريب دفعه بقوله : لكن يدفع بأنّ التعبّد بالظهور لا يتوقّف على فعلية الصدور والتعبّد به ، بل يكفي في صحّة التعبّد بالظهور فرض الصدور ، ولا يصحّ العكس فتأمّل (١).
فيمكن التأمّل فيه أوّلاً : أنّه يمكن العكس ، فيكون كلّ منهما متوقّفاً على تقدير الآخر وفرض تحقّقه. وثانياً : أنّ محصّل توقّف أصالة الظهور على فرض الصدور أنّه قبل تحقّق الصدور لا يكون في البين ظهور ، لفرض كون الظهور معلّقاً على فرض الصدور ، فقبله لا ظهور ، فيكون تحقّق الظهور فعلاً متوقّفاً على
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٧٨١.