يكون كلّ واحد من الحكمين غير مناف للآخر في مقام الجعل والتشريع ، وإنّما تحصل المنافاة بينهما في مقام الامتثال ، لاتّفاق التضادّ بينهما وعدم إمكان الجمع بين متعلّقيهما.
ولا ريب أنّ التنافي الواقع في جميع هذه الأمثلة لم يكن في مقام الامتثال ، وإنّما كان في مقام الجعل والتشريع ، لاستحالة انقداح إرادة الفعل الواحد مع عدم إرادته في نفس المولى ، أو انقداح إرادته مع إرادة عدمه أو إرادة ضدّه إلى آخر الأمثلة ، فلا يكون ذلك من باب التزاحم في مقام الامتثال ، وإنّما يكون من التزاحم في جهات الأحكام في مقام تأثيرها في تشريع الأحكام.
نعم ، في الصورة الأخيرة وهي ما لو أدّت إحدى الأمارتين إلى وجوب شيء ، وأدّت الأُخرى إلى وجوب شيء آخر مع قيام الإجماع على عدم وجوبهما ، لا يكون التزاحم في مقام الجعل والتشريع ، ويكون من باب التزاحم في مقام الامتثال ، إلاّ أنّه لا يكون ملاكه كون أحد الخطابين رافعاً للقدرة على امتثال الآخر ، بل يكون ملاكه أنّ أحدهما رافع لمصلحة الآخر ، فيكون ذلك من قبيل التزاحم في باب الزكاة ، كما ذكرناه في من كان مالكاً لخمس وعشرين من الإبل وفي وسط الحول صارت ستّاً وعشرين.
وأمّا على الثاني ـ أعني السببية الطريقية ـ فلما قدّمناه سابقاً من أنّ المصلحة لمّا كانت في سلوك الطريق كان تحقّقها متوقّفاً على كونه طريقاً معتبراً ، ولا يمكن أن يكون كلّ منهما طريقاً معتبراً ، لأجل كون كلّ منهما منافياً في مقام الحكاية للآخر ، فلا يمكن أن يشملهما دليل الحجّية.
ولا يخفى أنّ مراد الشيخ قدسسره من السببية في هذا المقام إنّما هو هذا المعنى الثاني ، لأنّه هو المختار عنده ولتصريحه بكون الحكم المجعول ظاهرياً ، فإنّه