حجّة قطعا ، بل أولى من فهم المتأخّرين بمراتب شتّى ، من حيث أنّ عهدهم في غاية القرب ، بل في الحقيقة معاصرون ، ومن حيث إنّه ما خلط أذهانهم الاجتهادات والشبهات الّتي خلط أذهان المتأخّرين ، والشاهد يرى ما لا يراه الغائب.
ولا شكّ في أنّ مراد هؤلاء من الخمر المعنى المعهود ، لأنّه قال أوّلا : باب ما يتّخذ منه الخمر ، وأتى بما يدلّ على أنّ الخمر من خمسة ، ثمَّ قال : باب تحريم أصل الخمر (١) ، وأتى بتلك الأخبار ، وفي بعضها التصريح بالسكر.
وأمّا الصدوق ، فلم يذكر في « الفقيه » ، مع أنّه في : « من لا يحضره الفقيه » لم يذكر في باب الأكل والشرب والباب المتقدّم عليه حكاية حرمة العصير أصلا ، ولو كان حرمته عنده من غير جهة السكر لذكره هناك ، مع أنّه لم يذكر هناك ، ولا في موضع من المواضع سوى باب حدّ شرب الخمر ، حيث قال : ( قال أبي في رسالته إليّ : اعلم أنّ أصل الخمر من الكرم ، إذا أصابته النار أو غلا من غير أن تمسّه [ النار ] فيصير أعلاه أسفله فهو خمر ، فلا يحلّ شربه إلّا أن يذهب ثلثاه ) ، ثمَّ أتى بعبارة أخرى صريحة في أنّ المراد الخمر المعهود ، ثمَّ قال : ( ولها خمسة أسامي : العصير من الكرم .. إلى آخره ) (٢).
فظهر أنّ فهمه رحمهالله على طبق فهم الكليني رحمهالله ، وفهم الكليني على طبق فهمه ، وهما كانا معاصرين ، يصلان إلى خدمة الصاحب عليهالسلام ، سيّما أنّ ولده الصدوق أيضا كان فهمه موافقا لفهمهما ، لما ذكرنا ، ولما ذكره في أوّل كتابه (٣) ، وما عهد من مواضع ذكر رسالة أبيه ، من حيث أنّه يجعله نفس فتوى نفسه ، كما لا
__________________
(١) الكافي : ٦ / ٣٩٢ ـ ٣٩٣.
(٢) من لا يحضره الفقيه : ٤ / ٤٠.
(٣) لاحظ! من لا يحضره الفقيه : ١ / ٥.