الفصل الأول
مخاض البدايات
لم أكن أفكر في يوم من الأيام ، أو أنّه
ما كان قد تبادر إلى ذهني ، ولا حتّى في لحظة من اللحظات ، بأنّي سألج غمار مثل
هذه المجادلات ، إلاّ أنّي وجدتني مسهباً في التفكير مسرفاً في الأوهام ، حتّى صرت
أشكّك في كُلّ ما يتناوبني من تقلبات جعلت تنتابني بين الحين والآخر ، إذ إنّ
الوقت الضيق ما كان ليسمح لي بأيما نزعة في التفكير .. كذلك ، فإنّ الظروف ما كانت
لتدعني أنهمك في تبنّي أي خطة ذهنية! ولا أعنى أنّ الزمان كان ضيقاً عليّ ، بل إنّ
الأفكار غدت تزدحم في رأسي الذي جعلت النوبات تتداوله ، نوبة بعد أخرى ليهتز عنق
جسدي حتّى يصير يستلقي مسترخياً عند صدري .. وكأن ليلاً ما يحيط به ، جعل من وزنه
يزداد بأساً حتّى كأنه قد انحدر في حضني لولا أن تسعفه راحة أكفّي فيعمد خلالها
إلى الإنحطاط فوق أرضها ..
ـ « لعلّي أكون على خطأ ، إلاّ أنّي لم
أتأكد بعد من ذلك ، فلو كنت هكذا ، وكما كنت أراني على مثل هذه الشاكلة من التقلب
والاستهلاك ».
جعلت أحدّث نفسي ، وأنا أعاني ألماً
مكبوتاً في داخلي استغرق في أعماقي جلّ المسافات الطوال حتّى جعل كأنّه يزحف زحف
الأفعى ، ليمتد ومن بعد ذلك متطاولاً يخبّ كما تخب الفرس الجموح ، أو كما يمكن أن
يرفل أيّما جواد أدهم في مشيته .. لأ نّه صار يتقلص وينقبض بدقائقه الطوال ، حتّى