بينما تابع حديثه بشغف لم يكن ليكتنزه
مع أي أحد ، ولكنّه لما آنس في نفسي مشاعر ودية لمعرفة وتتبع أسباب الحقيقة كان له
أن يصرّح بكُلّ ما لديه ، ويبوح بكُلّ ما عنده :
ـ « وقد وقفوا أمام تلك التيارات وقفة
إخلاص وإيمان وثبات على مبدأ الحق ، ولم يأبهوا يوماً ما إلى سلطة أو سياسة ، ومرت
تلك الأدوار العصيبة المظلمة ، ولم يزل ذلك الغرس ثابت الجذور نامي الفروع يسقى من
ماء غير آسن ، حتّى أفرعت دوحته وامتدت أغصانه وأينع ثمره بحفيد النبيّ الكريم
ووارث علمه الإمام جعفر بن محمّد الصادق ».
فقلت
له :
ـ « والإمام الصادق ، ما كان دوره على
وجه التحديد؟ ».
فقال
:
ـ « كان الإمام الصادق مهتماً في تلك
الفترة المارة الذكر ببث العلوم ونشر المعارف الإسلامية بين طبقات المجتمع ، فأقبل
الناس على مدرسته وازدحموا على أبوابها ينتهلون من علومه ، ويقتبسون من أنوار
معارفه ، وأقبلت وفود طلاب العلم من الأقطار الإسلامية ، حتّى أصبح عدد تلاميذه
والمنتمون إلى مدرسته أربعة آلاف ، منهم أئمة مذاهب ».
ـ « أئمة مذاهب؟ ».
سألته مع أنّي كنت أعلم العلم السابق
بذلك ، إلاّ أنّي أحسست بأنّ تعبيره كان يمتد أكثر من هذا وأقصى بعداً. فقال :
ـ « أجل ، كأبي حنيفة ، ومالك بن أنس ،
وسفيان الثوري ، وابن عيينة ، والأعمش ، وغيرهم وكذلك منهم رؤساء طوائف وأعلام
الحديث والفقه ».