التبتّل! وذلك حينما تصير كُلّ الأطوار المتقلبة صوب تلك الأعمدة المتراكمة عند خطوط النهايات التي ليس لها أن تنحد .. وعندما تزداد طهراً ونقاء يبسم كُلّما عامت إشراقاته وتمارت صفوف بهائه وهي تزهو جذلانة مختالة .. غير أنّي ما كنت لأنسى كيف أنّي كنت أول الطريق الحق على كُلّ من استبصر من إخواني ، ولقد كنت أرى بعضهم تلفحهم ريح غريبة حتّى إذا ما تسامر عندها وجدته قد ترك مذهبه واعتنق المذهب الشيعي ، كأنّما سحره ساحر ، وأخذه آخذ ، هل أقول إنّه قد صبأ؟! وأنا الذي لم أكن أرى أنّه يتمتع بأيّما قدر كاف من الذكاء والخبرة ، بل بأيّما لون من ألوان الموهبة الناضحة بالأبهة والعقلانية .. ولكن! كيف لهذا أن يحدث مع قاسم وطلال وكلاهما قد تسمّرا عقارب المعالم المعرفتية ، وتربعا على عرش أفانين العلوم وغذيا ألحان الفنون الذوقية حتّى غمرا نشيج الطبيعة بما يسكر المخاخ قبل الرؤوس بكُلّ ما يحلو ويطيب .. فكيف لمثلهما أن يستبصرا إذن؟ ففي الأمر ما يستدعي الانتباه ، ويستوجب إيفاء الاهتمام ورشق ذبذبات هذه الصبوة كيما تتسع رحى جمجمتي بما يستلزم معه ضيق كُلّ وهدة نقد أو أويقة ضالالة ربما تثني من هو في مثل حالي عن مثل هذا العزم حتّى وجدت أنّه من غير اللائق أن أكون رشيداً في معلوماتي ، قادراً في شهادتي الدراسية ، لا أقدر مع كُلّ هذا وفي الوقت نفسه على مبارحة يأسي والعبور من على قناة هذا الإبهام وهذه التساؤلات الغامضة. فكيف يجوز لنا نحن أهل السنة أن ننتقل من مذهب إلى آخر ، وكيف نسول لأنفسنا حرية الحركة ما بين الحنفي والمالكي وصولاً إلى الشافعي وانتقالاً إلى الحنبلي .. فلم يحرم أحد مثل هذه التنقلات والتحركات ، بل لم أسمع حتّى من هؤلاء الجحاجيح الذين تسترسل خطاهم بين أنظاري