الرشيد ، وأثبت لهم بأنّهم ( أي أئمة أهل البيت ) هم المقصودون بهذه الآية ، وبأنّ اللّه اصطفاهم وأورثهم علم الكتاب ، واعترفوا له بذلك (١).
__________________
١ ـ راجع عيون أخبار الرضا عليهالسلام للصدوق ٢ : ٢٠٨ ح ١ ، والأمالي : ٦١٥ ح ٨٤٣.
ولا يخفى أنّ كلمة الاصطفاء استعملت في القرآن بعدّة معاني :
منها : ما لا يدلّ على العصمة.
ومنها : ما يدلّ عليها.
فمن القسم الأوّل : قوله تعالى حكاية عن نبيّه في حقّ طالوت : ( إنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ وَالجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ ) [ البقرة : ٢٤٧ ] ، فالاصطفاء هنا بمعنى الاختيار للملك ، والملك لا يحتاج العصمة ، بل يحتاج العلم والقوةّ ، أمّا العصمة فهي خاصّة بمن يريد إبلاغ شيء عن اللّه تعالى ، أمّا الملوك فهم حكّام وليسوا برسل ولا أنبياء ، والآية جاءت ردّاً لقول المعترضين حيث قالوا : ( أنَّى يَكُونُ لَهُ المُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أحَقُّ بِالمُلْكِ مِنْهُ ... ).
ومن القسم الثاني : أي الاصطفاء الدالّ على العصمة قوله تعالى : ( يَا مُوسَى إنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي ... ) [ البقرة : ١٤٤ ] ، وقوله تعالى : ( إنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ ) [ آل عمران : ٣٣ ] ، كما قد استدلّ الفخر الرازي في كتابه على عصمة الأنبياء ص ٣٠ بهذه الآيات على وجوب عصمة الأنبياء ، ثمّ قال : « لا يقال الاصطفاء لا يمنع من فعل الذنب ، بدليل قوله تعالى : ( ثُمَّ أوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَـفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإذْنِ اللّهِ ) قسّم المصطفين إلى الظالم والمقتصد والسابق ، لأنّا نقول الضمير في قوله : ( فَمِنْهُمْ ) عائد إلى قوله : ( مِنْ عِبَادِنَا ) لا إلى قوله : ( الَّذِينَ اصْطَـفَيْنَا ) ، لأن عود الضمير إلى أقرب المذكورين واجب ».
وقال الطباطبائي في تفسير الميزان ١٧ : ٤٥ بعد ذكر الأقوال في الآية : ( ثُمَّ أوْرَثْنَا