أبو حنيفة : إنّ البالغة بكراً كانتْ أم ثيباً ، لها أن تنفرد باختيار الزوج ، وأن تنشئ العقد بنفسها (١).
فهذه المسألة الفقهيّة فرّقتْ بين الأب وابنته حتّى تبرّأ منها ، وكثيراً ماكان الآباء يتبرّؤون من بناتهم لعدّة أسباب ، منها : الهروب من البيت مع رجُل تحبُّ الزواج منه. ولهذا التبرّئ عواقب وخيمة ، إذ أنّ الأب يلجأ في أغلب الأحيان إلى حرمان ابنته من الميراث وتبقى الفتاة عدوّة للإخوة الذين يتبرّؤون بدورهم من أُختهم التي جلبت لهم العار.
فليست القضية ـ إذن ـ كما يقول أهل السنّة بأنّ في اختلافهم رحمة ، أو على الأقلّ ليست الرحمة في كلّ القضايا الخلافية.
ويبقى بعد هذا خلاف آخر بينهما ألا وهو تقليّد الميّت ، فأهل السنّة يقلّدون أئمةً ماتوا منذ قرون ، وأغلق عندهم باب الاجتهاد من ذلك العهد ، وكلّ من جاء بعدهم من العلماء اقتصروا على الشروح والمدوّنات شعراً ونثراً لفِقه المذاهب الأربعة ، وقد تعالت أصوات المنادين من بعض المعاصرين بِفَتحِ الباب والرجوع للاجتهاد ، لما تقتضيه مصلحة الزّمان ، ولما استجدّ من أمور كانت مجهولة في زمن الأئمة الأربعة.
__________________
١ ـ راجع كتاب الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري ٤ : ٣٤.