وأضربُ لذلك مثلاً حتّى يتبينّ للقارئ فيفهم المقصود : كان عندنا
__________________
فهم كما قال الشاطبي في الموافقات ٤ : ٧٧ : « وقد أدّى إغفال هذا الأصل [ أي أنّ الشريعة كلّها ترجع إلى قول واحد في فروعها وان كثر الخلاف كما أنّها في أُصولها كذلك ] إلى أن صار كثير من مقلّدة الفقهاء يفتي قريبه أو صديقه بما لا يفتي به غيره من الأقوال إتباعاً لغرضه وشهوته ، أو لغرض ذلك القريب وذلك الصديق ، ولقد وجد هذا في الأزمنة السالفة فضلا عن زماننا ، كما وجد فيه تتبع رخص المذاهب إتباعاً للغرض والشهوة ... ».
ثمّ ذكر عدّة حكايات تتعلّق بالموضوع إلى أن قال :
« وذكر ابن باجي في كتاب التبيين لسنن المهتدين ... وربما زعم بعضهم أنّ النظر والاستدلال الأخذ من أقاويل مالك وأصحابه بأيّها شاء دون أن يخرج عنها ولايميل إلى ما مال منها لوجه يوجب له ذلك ، فيقضي في قضية بقول مالك ، وإذا تكرّرت تلك القضية كان له أن يقضي فيها بقول ابن القاسم مخالفاً للقول الأول لا لرأي تجدّد له ... وأخبرني رجل عن كبير من فقهاء هذا الصنف مشهور بالحفظ والتقدّم أنّه كان يقول معلناً غير مستتر أنّ الذي لصديقي عليّ إذا وقعت له حكومة أن أفتيه بالرواية التي توافقه ... ».
والغرض من هذا العرض السريع إنّما هو بيان الاختلاف والاضطراب الذي وقعوا فيه ، وليس ذلك إلاّ للبعد عن هدي الثقلين.
فما ذكره في كشف الجاني : ١٥٩ ناشئ من قلّة الاطلاع والمجادلة بغير حقّ. أضف إلى أن المؤلّف لم يقل بأنّ المالكي يحقّ له الأخذ بمذهب الحنفي حتى لو كان لديه حلّ لمشكلته عند المذهب المالكي ، وإنّما قيّد بقوله : ( إذا وجد حلاّ لمشكلته قد لا يجده عند مالك ) ، وعليه فالمؤلّف عبارته سلمية وواضحة جداً ، لا كما حاول عثمان الخميس إيهام القارئ بأنّ المؤلّف افترى هذا الكلام على أهل السنّة وأخذ بنقل عبارات لا ربط لها بالموضوع.