فالإنسان ليس له أن يختار جنسه من ذكورة وأُنوثة ، ولا أن يختار لونه ، فضلاً عن اختيار أبويه ليكون في أحضان أبوين موسرين بدلاً من أن يكونوا فقراء ، ولا أن يختار حتى طول قامته وشكل جسده.
فهو خاضع لعدّة عوامل قاهرة ( كالأمراض الوراثية مثلاً ) ، ولعدّة نواميس طبيعيّة تعمل لفائدته بدون أن يتكلّف ، فهو ينام عندما يتعب ، ويستيقظ عندما يرتاح ، ويأكل عندما يجوع ، ويشرب عندما يعطش ، ويضحك وينشرح عندما يفرح ، ويبكي وينقبض عندما يحزن ، وفي داخله معامل ومصانع تصنع الهرومونات والخلايا الحيّة ، والنطفْ القابلة للتحوّل ، وتبني في نفس الوقت جسمه في توازن منسّق عجيب ، وهو في كلّ ذلك غافل لايدري بأنّ العناية الإلهيّة محيطة به في كلّ لحظة من لحظات حياته بل وحتى بعد مماته! يقول اللّه عزّ وجلّ في هذا المعنى :
( أيَحْسَبُ الإنسَانُ أنْ يُـتْرَكَ سُدىً * ألَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَـقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَـيْنِ الذَّكَرَ وَالاُنثَى * ألَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِر عَلَى أنْ يُحْيِيَ المَوْتَى ) (١).
بَلى ، سبحانك وبحمدك ربّنا الأعلى أنت الذي خلقْتَ فَسّويتَ ، وأنتَ الذي قدّرتَ فهديت ، وأنت الذي أمَتَّ ثمّ أحَيْيتَ ، تباركت
__________________
١ ـ القيامة : ٣٦ ـ ٤٠.