فانه كان ذكيا حاضر الجواب ، فطنا بالزرق ، معرفا به كثير الاصابة فيما يخرصه من الاصابة ، حتى قال المنجمون : إن مولده وما يتولاه كواكبه اقتضى له ذلك وذلك باطل ، لانه لو كانت الاصابة بالمواليد ، لكان النظر في علم النجوم عبثا لا يحتاج إليه لان المولد إذا اقتضى الاصابة أو الخطاء ، فالتعلم لا ينفع ، وتركه لا يضر وهذه علة تسري إلى كل صنعة ، حتى يلزم أن يكون كل شاعر مفلق وصانع حاذق وناسج للديباج موفق لا علم له بذلك ، وإنما اتفقت له الصنعه بغير علم لما يقتضيه كواكب مولده ، ومايلزم من الجهالة على هذا لا يحصى.
ثم اعلم أن النبي صلىاللهعليهوآله كان يذكر أخبار الاولين والاخرين ، من ابتداء خلق الدنيا إلى انتهائها ، وأمر الجنة والنار ، وذكرما فيهما على الوجه الذي صدقه عليه أهل الكتاب ، وكان لم يتعلم ، ولم يقعد عند حبر ، ولم يقرء الكتب ، فاذا كان كذلك ، فقدبان اختصاصه بمعجزة ، لان ما أتى به من هذه الاخبار لا على الوجه المعتاد في معرفتها ، من تلقيها من ألسنة الناطقين ، لا يكون إلا بدلالة تكون علما على صدقه.
وما أخبربه عن الغيوب التي تكون على التفصيل لا على الاجمال كقوله ( لتدخلن المسجد الحرام إنشاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون ) (١) وكان كما أخبربه ولم يكن عليه وآله السلام صاحب تقويم وحساب واصطرلاب ، ومعرفة بطالع نجم وزيج ، وكان ينكر على المنجمين ، فيقول : من أتى عرافا أو كاهنا فآمن بما قال فقد كفر بما انزل على محمد ، وقد علمنا أن الاخبار عن الغيوب على التفصيل من حيث لا يقع فيه خلاف بقليل ولا بكثير ، من غير استعانة على ذلك بآلة أو حساب أو تقويم كوكب طالع ، أو على التنجيم الذي يخطئ مرة ويصيب مرة لا يمكن إلا من ذي معجزة مخصوصة ، قد خصه الله تعالى بالهام من عنده أو أمر يكون ناقضا للعادة الجارية في معرفة مثلها ، إظهارا لصدق من يظهرها عليه وعلامة له.
____________________
(١) الفتح : ٢٧.