وليتني كنت أدري! إذا كان الرجل بارّاً بقسمه ، فلماذا تكاذبت عائشة وأبو هريرة؟ فقالت له : ( يا أبا هريرة ما هذه الأحاديث التي تبلغنا عنك تحدّث بها عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم؟ هل سمعت إلاّ ما سمعنا؟ وهل رأيت إلاّ ما رأينا؟ قال : يا أماه إنّه كان يشغلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرآة والمكحلة والتصنّع لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنّي ما كان يشغلني عنه شيء ) (١)!
وليتني كنت أدري! هل كان البراء بارّاً بقسمه ( ولم نكن نكذب ) ـ ويعني الصحابة ـ كيف وقد أكذب عمر وعليّ عليه السلام وابن عباس وابن عمر وغيرهم أبا هريرة؟ (٢) ، وإن شئت فأنظر ( قبول الأخبار ) للكعبي تجد قول ابن عمر : كذِب أبو هريرة.
وقوله هذا في الحديث : ( من اقتنى كلباً إلاّ كلب الصيد أو ماشية انتقص من أجره كلّ يوم قيراطان ) ، قالوا له : كان أبو هريرة يروي الحديث هكذا : ( إلاّ كلب صيد أو ماشية أو كلب زرع ) ، فقال ابن عمر : إنّ لأبي هريرة زرعاً (٣).
وهو نقد من ابن عمر لطيف يشير إلى الباعث النفسي الحثيث لأبي هريرة مع سخرية بارعة لاذعة (٤). وللجاحظ حول هذا الحديث كلام في
____________________
(١) المستدرك على الصحيحين للحاكم ٣ / ٥٠٩ ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ، ووافقه الذهبي في تلخيصه على ذلك ، وذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء٢ / ٦٠٤ ، وابن حجر في الإصابة وعزاه لابن سعد وجوّد إسناده ، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية ٨ / ١٠١ ، وغيرهم وغيرهم؛ وجميعهم لم يؤاخذوا أبا هريرة على قولته النكراء مع أم المؤمنين ( الحميراء ).
(٢) راجع شيخ المضيرة لمحمود أبو رية.
(٣) قبول الأخبار للكعبي ١ / ١٨٣ ـ ١٨٤.
(٤) أنظر شرح النووي على صحيح مسلم ٤ / ٣٤.