الدقيق ، وهذه
الظاهرة الأسلوبية النموذجية الى الخوض في تفصيلات الفاعل ، وتأويل صدور الفعل عنه.
تقول الدكتورة عائشة عبدالرحمن ، ونحن
نوافقها في هذا العرض ، لأنه من صميم منهجنا البياني :
« وقد شغل أكثر المفسرين والبلاغيين
بتأويل الفاعر ، عن الالتفات الى اضطراد هذه الظاهرة الأسلوبية في هذا الموقف ، مع
وضوحها الى درجة العمد والإصرار : وسرّها البياني دقيق جليل : فاطراد إسناد الحدث
الى غير محدثة ، بالبناء للمجهول ، أو الإسناد المجازي ، أو المطاوعة ، يدل على
التلقائية التي يكون بها الكون كله مهيئا للحدث الخطير ، وأن الكائنات مسخرة بقوة
لدلك الحدث ، فما تحتاج فيها الى امر ، ولا الى فاعل ... وفيه كذلك ، تركيز
الانتباه في الحدث ذاته ، وحصر الوعي فيه ، فلا يتوزع في غيره ».
٣ ـ وإذا جئنا الى الاتساع اللغوي في
مجاز القرآن وجدنا ظاهرة أسلوبية شامخة ، وفصل المجاز اللغوي في القرآن يؤكد هذه
الظاهرة بجميع أبعادها في التجوز والاتساع والمرونة ، وفيه غنية عن الإفاضة في هذا
المدرك لأنه حافل بدلائل سلامة اللفظ اللغوي ، وسيرورته في المعاني الجديدة التي
لا تعامل الأصل باعتباره منسوخا أو مستغنيا عنه ، بل هو هو وهو مضاف إليه هذا
الاتساع.
تأمل في هوله تعالى : ( والله
محيط بالكافرين ) فإنك ستجد بيسر وسهولة كلمة « محيط »
غير متخلية عن المعنى الأصل ، ولكنها على الصعيد المجازي ، تحمل دلالة بارزة جديدة
، تتعدى معنى الإحاطة التقليدية ، التي اعتاد السامع إدراكها مركزيا من اللفظ ، فليست
إحاطته تعالى ههنا إحاطة مكانية ، أو طلية ، أو جسمية ، كإحاطة القلادة بالجيد ، أو
السوار بالمعصم ، أو الخاتم بالبنان ، وإنما هي إحاطة مجازية مطلقة عن حدود
الإحاطات المتعارفة ، وبديهي أن يراد بها إحاطة ذي القوة بمن ليس له
__________________